صنعاء | لم يكن المقهى الواقع في منطقة قريبة من محيط جامعة صنعاء على عادته مثل مساء كل أحد. في الأيّام العادية، يبقى رواد المكان مهتمين بمتابعة مباريات الدوري الإسباني لكرة القدم عبر شاشات كبيرة. إلا أنّ الأمر اختلف في المكان نفسه أول من أمس، لأن الروّاد انتظروا الحلقة الأخيرة من برنامج «محمد عبده وفنان العرب» (قناة «دبي») الذي يجلس في لجنته كل من عبد الله الرويشد وأصالة، وعصام كمال والفنان السعودي محمد عبده. ظهرت صورة المُشترك اليمني أسامة محبوب على جدران المكان والشوارع المجاورة له. يكشف بعض الحاضرين في المكان أنّ تكاليف طباعة تلك الصور مدفوعة بجهود شخصية من أصدقاء أسامة وبعض الجهات الخاصة، ولا دخل لوزارة الثقافة اليمنية بها. وعندما سُئل أحد الشباب المهتمين بإبراز صور المُغني اليمني في المكان، أخبرنا أنّ «أسامة هو ابن المنطقة وصديق قريب للجميع. سافر قبل عامين إلى الدوحة للعمل في إحدى الاذاعات القطرية بعدما كان يدرس الطبّ في صنعاء. لقد دفعه أمر مساعدة أهله مادياً إلى هذه الغربة الاختيارية». ولعلّها الظروف نفسها التي دفعت المطرب أبو بكر سالم أو عبد الرب إدريس وغيرهما لمغادرة مدينة حضرموت اليمنية، والاتجاه ناحية المملكة وظهور اسميهما الفنيين من هناك. لم يكن اختيار الشاب أسامة عادياً عندما اختار أن يؤدّي أغنية لإدريس في الحفلة قبل الأخيرة من البرنامج نفسه (الأخبار 11/12/2015).
اختيار الفائز في البرنامج ليس بعيداً عن السياسة
مُفارقات عدّة كانت تُمكن ملاحظتها لحظة إعلان فوز المُغني اليمني بلقب المُسابقة. كان التصفيق الحادّ والكثيف مع صياح الحاضرين الذي ترافق مع بدء طيران العدوان السعودي بقصف مواقع قريبة من المكان. كان صوت الانفجارات مسموعاً بقوة في اللحظة التي كان محمّد عبده يلقي كلمته الختامية متمنياً أن «يعود اليمن السعيد سعيداً وبكامل صحته». وكما هو معروف، فـ «فنان العرب» كما يُطلق عليه أو «أبو نورا»، قد ترك اليمن في وقت مُبكر باتجاه «الأرض الحرام» مدفوعاً بالبحث عن لقمة العيش. يتذكّر اليمنيون جيداً الحفلات الثلاث التي أداها محمّد عبده في ثلاث مدن يمنية عام 2004، وتعمّد خلالها عدم ارتداء الزي السعودي التقليدي. وحين سألته مذيعة في قناة «اليمن الأولى» في حوار بُثّ على الهواء مُباشرة، عن أصوله اليمنية، وجد ذلك مُحرجاً له واكتفى بإجابة غير مُباشرة قائلاً إنّه «بعد إجراء حواره التلفزيوني، سيذهب لزيارة شقيقته المُقيمة في منطقة قريبة من مدينة الحُديدة الساحلية»، وهي من أقرب المُدن اليمنية الكبرى باتجاه الحدود مع المملكة. لم تكن المذيعة من الذكاء لتفهم إجابة عبده بأنه لا يقدر فعلاً الإجابة مُباشرة، وحاولت إعادة السؤال مرة أخرى في حين راح هو يتحدّث عن أشياء أخرى.
مع كل هذا، لا يبدو اختيار اليمني الشاب فائزاً بلقب المُسابقة في دورتها الأولى، بعيداً عن السياسة. ظهر الأمر كأنه محاولة تقريب بين اسمي السعودية واليمن. لكنّ أحداً لم ينتبه إلى أنّ المسابقة التي تحمل اسم مطربها يمني الأصل وكذلك الشاب الذي فاز بها. هكذا ظهر اليمن فائزاً من الجهتين، في حين ما زال الطيران السعودي يواصل عدوانه على فقراء اليمن.