تونس| حقق «الإعلام الجديد» أوّل انتصاراته على الأنظمة القمعية في الدول العربية، بفضل شباب تونسيين أطاحوا زين العابدين بن علي وقواه الأمنية التي لم تنجح في قمع ثورة سلمية انطلقت من «فايسبوك» و«يوتوب» و«تويتر». في المقابل، نجحت المواقع الاجتماعية في تكوين رافد أساسي للقنوات الإخبارية. في الأيام الأولى لـ«ثورة الياسمين»، وبينما كانت تونس تحترق، كان التلفزيون الرسمي «تونس 7» غارقاً في بث برامج وثائقيات عن البيئة والحيوانات! في المقابل، قامت قناة «حنبعل» لمالكها العربي نصرة بتغطية أحداث سيدي بوزيد
، على استحياء، من دون التعرض بالنقد للرئيس وحاشيته. وسارت على نهجها «نسمة تي في» التي يسيطر على أسهمها رجل الأعمال التونسي والمنتج السينمائي طارق بن عمار، ابن الوزير السابق المنذر بن عمار وشقيقته وسيلة بن عمار زوجة الحبيب بورقيبة.
وبعد أربعة أسابيع من الصمود، بدأ بن علي يستسلم. وحالما أعلن في خطابه الثاني إطلاق مواقع الإنترنت والسماح بالنقاش من دون قيود، تضاعف كم الصور ومقاطع الفيديو عبر «فايسبوك» و«تويتر» و«يوتوب»، بينما شهدت «الجزيرة مباشر» تدفقاً لإسهامات التونسيين عبر زاوية «شارك» والرسائل الخلوية القصيرة. كذلك هبت «رياح التغيير» على القناة الحكومية التونسية التي بثّت أغنيات وطنية قبل أن تصطفّ نهائياً إلى جانب شعبها.
بمجرد تأكيد سقوط الدكتاتور، بدت القنوات الخاصة كمن تحرر من حبل المشنقة المعلّق على رقابها طيلة 23 عاماً. هكذا، انبرى مذيع «نسمة تي. في» الخاصة إلى كيل التهم للنظام «البائد»، وترديد عبارات من قبيل «لم نعد نخاف، انتهى عهد الخوف وولّى». على الجانب الآخر، وخلافاً لقناة «بي بي سي» التي بدت مملة وسطحية في تغطيتها للأحداث، اشتعل التنافس بين «الجزيرة» و«العربية».
اليومان الثاني والثالث من «ثورة الياسمين» أبانا تفوقاً أكبر لمبعوث «العربية» الهادي الحناشي الذي تحرك في مواقع حساسة، ونقل أخباراً وصوراً حصرية وأنباء عن معارك ضارية بين الجيش والأمن الرئاسي، بينما بدا لطفي حجي مراسل «الجزيرة» محللاً وناقلاً للأنباء، أكثر منه صحافياً وإعلامياً. مع ذلك، بدت تغطية «الجزيرة» أكثر قرباً وملامسة لما يعيشه التونسيون. اعتمدت على المذيعين التونسيين والجزائريين لمناقشة الضيوف، على أساس أنهم أكثر دراية بالواقع الاجتماعي المتقارب في كلا البلدين. وككل الحالات الطارئة والأزمات التي تولد تسابقاً بين القنوات على «السبق» الصحافي، بدا واضحاً أن «الجزيرة» تريثت قبل نشر العديد من الأخبار، بينما كان شريط «عاجل» لا يتوقف في «العربية»، ما أوقعها في أخبار كاذبة. ولعلّه يمكن القول إن إحدى أبرز الانجازات هي المساحة التي أفردت للهجات المغاربية، فلم نسمع أحداً يتذمّر من عدم فهمه للهجة المغاربية، ولم نر ترجمة فورية لتصريحات المواطنين والضيوف التونسيين الممزوجة بالفرنسية، حتى في التقارير المسجلة!