الدار البيضاء ــ «جرّوني من شعري وأحسست بركلات على ظهري». هكذا تبدأ الشهادة التي قد يستغربها كثيرون. هل هناك معتقلون سياسيّون في المملكة المغربية.. بل ومعتقلات شابات من أتباع ماو تسي تونغ؟ «نعم هناك ماويون في المغرب»، تؤكّد إحدى الرسائل التي وقّعتها إحدى المعتقلات، وهرّبت أخيراً من داخل سجن «بولمهارز» في مراكش. إنها شابة في ربيعها الثالث والعشرين، شيوعية ماوية، تدعى إلهام السحنوني، وقد اعتقلت على خلفية أحداث طلابية شهدتها «جامعة القاضي عياض» في المدينة الحمراء عام 2008. ما تكتبه إلهام السحنوني ورفاقها، يمكن عدّه نماذج جديدة من كتابات المعتقل السياسي المغربية. النصوص على شكل رسائل تُسرّب خارج الزنزانة. لا تختلف نبرة تلك النصوص كثيراً عما كتبه جواد أمديدش، المعتقل السياسي في السبعينيات في شهادته الأليمة «الغرفة السوداء». تبدو إلهام نحيفة في آخر صورة التقطت لها في الجامعة. تبتسم لعدسة الكاميرا. لا أحد يعرف إن كانت تحتفظ بالابتسامة نفسها الآن، وهي في الزنزانة. لكنها كتبت رسالتها الأليمة: «طوال طريقنا إلى مراكش وعلى إيقاع السب والشتم سرح ذهني، فتذكرت صرخات أمي... تذكرت أيضاً ما ناله رفاقي من تعذيب، لأتأكد من أن ما ينتظرني ليس بالهيّن (...) بعد ساعات أحسست أنها طويلة، وأن الرحلة ما بين الصويرة ومراكش بدت أطول من أي مرة سابقة. أنزلوني من السيارة بطريقتهم المعتادة (اللكمات والضربات المتوالية...). مشينا قليلاً ثم أنزلوني درجاً، لأجد نفسي في غرفة ما، أنا مربوطة إلى كرسي ومكبّلة اليدين، ليبدأ مسلسل الاستنطاقات عن هويتي، وأين تابعت دراستي، ثم عن هويتي السياسية». شهادة هذه الجامعيّة الشابة، نتلقاها كالصفعة، إذ تعيد إلى البال سنوات الرصاص التي غذّت أدب المعتقل السياسي في المغرب.
يكتب الطلبة المعتقلون بحنق الثورة الثقافية القديم. في رسالتها الأخيرة من السجن حيث قضت سنتين، كتبت المعتقلة زهرة بودكور في محاولة لتقليد الزعيم الصيني في نظم الشعر الثائر. قد تكون أخفقت، لكنها ككل الماويين كتبت: «إنّ تجربة السجن تجربة رائعة بحلوها ومرّها، تحس فيها أنك تقدّم شيئاً لشعب ضحّى بالكثير». ثمّ تتوقف زهرة عند وضعها بوصفها امرأة: «التجربة بالنسبة إلى المرأة، في البداية صعبة (...) لكنني جد فخورة لأنّنا نصلح المكان لنا في ما بعد»، وتختم: «نحن من يولد تحت الشجر... تحت المطر... من الحجر... من الهزائم... نولد بلا نهاية».
غادرت زهرة السجن ودخلته إلهام. تخبرنا إلهام في رسالتها الأخرى من الزنزانة: «سألوني عن أسماء أنكرت معرفتي بها. سألوني من يمولكم؟ أحسست بابتسامة ترتسم على شفتي، أجبت بالصمت. ترى عمّ يتساءلون؟ تمويلنا هو هموم شعبنا البطل، آهات أمهاتنا، هو أفكارنا التي ترسخت فينا، هو دماء شهدائنا وصمود معتقلينا. هذا ما يجعلنا أقوى منكم، هذا ما يرعبكم».
ترى هل تُجمع هذه الكتابات في إصدار مستقلّ يحيي أدب السجون، ويدقّ نواقيس الحريّة؟