القاهرة| شهدت السنوات الأخيرة تراجعاً للنكتة السياسية في الشارع المصري، لكن المصريين لم يفقدوا حسّهم الفكاهي رغم الأزمات. كل ما في الأمر أنهم انزلقوا من السياسة إلى مواضيع أخرى، كالطائفية وكرة القدم والأزمة المعيشية الخانقة... وقد يكون التفسير المنطقي الوحيد للتخلّي عن النكتة السياسية هو حالة الجمود التي تشهدها الحياة الديموقراطية المصرية، وغياب أيّ تغيير حقيقي.
حتى على مستوى الكاريكاتور الصحافي، لم يعد سهلاً دخول أسماء جديدة إلى هذا المجال. وإذا برز بعض الفنانين الناجحين، فإنّ فضاءهم الوحيد للوصول إلى الناس هو الإنترنت بسبب تراجع التركيز على هذا الفن في الصحف.
ولكن في الأسابيع الأخيرة، تغيّر كل ما سبق، وأعادت «ثورة الياسمين» ومعها «فايسبوك» الألق إلى النكتة السياسية. هكذا بدأ تبادل الأخبار الطريفة، وتجميعها وإرسالها إلى أكبر عدد من مستخدمي موقع التواصل الاجتماعي الشهير. أما السبب، فهو أن الثورة التونسية كانت بالفعل حدثاً استفزّ خلايا الضحك لدى المصريين، فأطلقوا سيلاً من النكات التي تسخر من الأنظمة العربية لا النظام التونسي فقط. مثلاً كان الشارع المصري أوّل من أطلق على الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي لقب «زين الهاربين» و«زين المخلوعين». وتواصلت النكات مع انتقال عدوى حرق المصريين لأنفسهم، مقلّدين محمد بوعزيزي مشعل الثورة في تونس. على الصعيد المصري، طاولت معظم النكات محمد البرادعي. قال بعضهم إن المدير السابق لـ«الوكالة الدولية للطاقة الذرية» دعا إلى التغيير في مصر، لكن الشعب الذي استجاب لنداءاته كان في تونس. كذلك انتشرت نكتة أخرى تقول إنّ «الحرية لا تأتي هوم دليفري»، في إشارة إلى جلوس بعضهم في منازلهم منتظرين الثورة كمن ينتظر الطعام الجاهز.
وفور تأكيد وجود بن علي في جدة، خرجت نكتة جديدة هي أن «الرئيس التونسي قرر بطريقة مفاجئة القيام بالعمرة». ومع تبرير الحكومة لأيّ حريق في منشأة مملوكة للشعب بأنّ سببه «ماس كهربائي»، خرج من يقول إنّ سبب احتراق الرجل الأول أمام البرلمان كان أيضاً «ماساً كهربائياً»! فيما استعاد أحد الظرفاء أغنية فريد الأطرش وشادية في فيلم «إنت حبيبي» حيث تقول شادية: «هولّع في روحي يا قلبي وعيني» فيرد الأطرش: «لا أوعي يا روحي ده واجب عليا». وفي النسخة الجديدة التي أطلقت على «فايسبوك»، أصبحت شادية تمثّل الشعب الغاضب، فيما ترك فريد الأطرش مكانه لـ«الحزب الوطني» الحاكم.
كذلك، عاد الألق إلى الكاريكاتور الصحافي، وبرز رسم لفنان جريدة «الشروق» وليد طاهر يظهر فيروز وهي تقرأ مقالاً بعنوان «ثورة تونس»، وتغني «إيه في أمل»، في إشارة إلى عنوان ألبومها الأخير. فيما نشرت «المصري اليوم» كاريكاتوراً للفنان عمرو سليم، يظهر إحدى المذيعات وهي تطلب من المشاهدين توقّع اسم الحاكم الجديد الذي سيلحق ببن علي كي يفوز صاحب التوقّع بالجائزة الكبرى.