أمس، ارتدت الشاشات والمواقع الأجنبية ثوب الرصانة، فاعتمدت نبرة هادئة في تغطية أحداث الشغب التي عمّت شوارع لبنان. وأمام هذا الاعتدال والهدوء اللذين فاتهما تصوير أشكال العنف المنظم والمتواصل التي اجتاحت شوارع المناطق اللبنانيّة، استعاد المشاهدون كيفيّة تصوير الإعلام الغربي لتحركات المعارضة السابقة، وآليات أبلستها في كلّ مناسبة، وتحميلها كل آثام العالم من دون محاكمة. لطالما اعتمدت الشاشات الأجنبية نبرة الإدانة المسبقة تجاه «مثيري الشغب» في الشارع، أو الذين «يرهبون المدينة ويعبّرون عن سخطهم بوسائل همجية وعنيفة»، كحرق الإطارات والاعتداء على الممتلكات وتهديد السلم الأهلي. لكن الإعلام نفسه لم ير شيئاً من هذا القبيل أمس...الخبر الذي نشره موقع «سي. أن. أن»، أورد أنّ الآلاف تظاهروا حارقين الإطارات في منطقتي حلبا والعبدة، لكن «من دون أن يقطعوا الطريق». المقالة التي نقلت تفاصيل التظاهرات لم تورد سوى تصريحات أفرقاء 14 آذار، وتحديداً النائب محمد كبارة الذي نترك للقارئ أن يقدّر مقصده: «لن نسمح لهم بالعودة واحتلال بلادنا مجدداً». طبعاً، لم تغفل المقالة تذكير القارئ بأن الولايات المتحدة تعدّ «حزب الله» منظمة إرهابية، وبأن «الميليشيا المدعومة من إيران هي الجهة الوحيدة المسموح لها بالاحتفاظ بسلاحها في لبنان».
بدوره، لم ينقل الخبر على موقع «أورونيوز» سوى تصريحات النائب مصطفى علوش، بينما بدأ الخبر على موقع «فوكس نيوز» بوصف «حزب الله» بـ«المنظمة الإرهابية المدعومة من إيران»، قبل أن يؤكد أن «التجمعات كانت مركزة وغير تخريبية على نحو يستحقّ الذكر». هكذا، فات ناقل الخبر حادثة الاعتداء على الإعلاميين وعلى عربة النقل المباشر لقناة «الجزيرة»، ومشهد الشوارع المقفرة والمدارس المقفلة الذي لا «يعطّل الحركة الاقتصادية»، كما فعلت تحركات المعارضة السابقة.
وفي مقابل اعتناق المواقع المذكورة وجهة نظر الأكثرية السابقة، وإغفال إيراد رأي الفريق الآخر، حافظت «ليبراسيون» و«لوموند» الفرنسيتان على حدّ أدنى من الموضوعية: أبرزتا تعابير «انقلاب» و«يوم الغضب» بخطوط مائلة وبين مزدوجين، متّخذتين بذلك مسافةً من هذه المصطلحات، فيما استضافت قناة «بي. بي. سي» رئيس الحكومة المكلّف نجيب ميقاتي. أما موقع «غارديان»، فأدرج آخر أخبار التظاهرات في ثلاثة بلدان عربية تحت عنوان «اضطرابات في الشرق الأوسط: حكومات تونس ومصر ولبنان تواجه تظاهرات في يوم خطير في الشرق الأوسط».
هكذا تكشف «موضوعيّة» الإعلام الغربي عن حدودها، حالما تصل إلى الشرق الأوسط... كل الدروس والقيم السامية والمبادئ المهنيّة والسياسيّة ـــــ وصولاً إلى حقوق الإنسان والديموقراطية ـــــ تتعثّر عند أوّل امتحان. وإذا بالأولويّات الإيديولوجيّة تفرض نفسها في الدفاع عن المصالح الغربيّة والمنطق الغربي في تحديد الفرق بين الخير والشرّ...