أمس سقطت كلّ الأقنعة، وتحوّل الفريق الذي طالما تغنّى بـ«القواعد الديموقراطية والدستورية» إلى جماعة مقهورة عنيفة ترفض مبدأ تداول السلطة. هذا ما يمكن استنتاجه من الصور التي نقلتها الشاشات العربية والمحلية لـ«يوم الغضب» في البقاع وطرابلس وبيروت. غضب سرعان ما تحوّل إلى عمليات شغب، طالت سهامها الرئيس المكلّف نجيب ميقاتي، والإعلاميين بمختلف انتماءاتهم.مرة جديدة يدفع الإعلام ثمن الصراع السياسي في لبنان، لكن هذه المرة كادت الأمور تخرج من عقالها، بعدما حاصر «الغاضبون» في طرابلس مجموعة من الصحافيين (من «الجزيرة»، و«الجديد»، وحتى... جريدة «المستقبل» ـــــ راجع ص 18)، وحاولوا اقتحام المبنى، ثم بدأوا بإحراقه! وفي طرابلس أيضاً، أحرق المحتجّون سيارة النقل المباشر التابعة لقناة «الجزيرة». وهو ما تكرّر في منطقة الكولا في بيروت، حيث تعرّض الإعلاميون للاعتداء، وخصوصاً فرق عمل nbn، و«الجزيرة الإنكليزية»، و«العربية»، وCNN...
وتُسجّل لـ«المؤسسة اللبنانية للإرسال» سرعتها في نقل صور الاعتداء على آليات «الجزيرة»، لتلحقها otv، قبل أن ينتشر الخبر على كل المحطات... باستثناء «أخبار المستقبل». ويبدو أن كلّ هذه التجاوزات لم تشغل بال القناة الحمراء التي واصلت لعبة التحريض، متجاهلة نداءات الاستغاثة التي أطلقها الإعلاميون المحتجزون في طرابلس، مفضّلة التركيز على «التحرّك العفوي الذي نظّمه اللبنانيون في مختلف المناطق والطوائف». وبدا واضحاً أن إدارة المحطة عمّمت كلمة السرّ على مراسليها: تشابه خطاب المراسلين من زياد منصور (عكار)، وأحمد كموني (جب جنين ـــــ البقاع)، وربيع شنطف (العرقوب)، ومهى ضاهر (طرابلس)، وردّدوا عبارة واحدة: «تحرّك عفوي، قامت به مجموعة من المواطنين الرافضين لخطف منصب رئيس الحكومة من قبل ممثل ولاية الفقيه في لبنان»! وهو الخطاب الذي لا يختلف عن كلمات نواب «المستقبل» الذي بلغ ذروته مع انطلاق التحركات أمس: محمد سلام يبشّرنا باستيقاظ «المارد السنّي»، ومحمد كبّارة يحذّر «الانقلابيين» من أن «أهل السنّة» سيواجهونهم «بصدورهم وأجسادهم».
وفيما بدا معظم وجوه «14 آذار» مرتبكين في إطلالاتهم الإعلامية، حاولوا رمي الكرة في الملعب الآخر، محمّلين «حزب الله وحلفاءه» مسؤولية ما حصل. وقد ازداد هذا الارتباك مع إصرار مذيعة «الجزيرة» نوران سلام التي سألتهم عن سبب تحوّل «يوم الغضب» إلى يوم شغب. ولعلّ الجواب الأكثر طرافة جاء على لسان النائب عقاب صقر الذي قال إن «تيار المستقبل» دعا أمس إلى «يوم غضب... صامت»! أما محمد قباني، فأقفل الخطّ في وجه المذيعة حين سألته عن مسؤولية التيار الأزرق عما حصل، فيما ارتبك وزير الإعلام السابق طارق متري أمام هذا السؤال، فأجاب «لا أعرف».
هكذا عرفت قناة «الجزيرة» كيف تُحرج ضيوفها، وهو الأمر الذي تجنّبته طبعاً «العربية» التي فتحت الهواء أمام فريق الحريري للإدلاء بتصريحاته. لكن عكس المتوقّع، حاولت الفضائية السعودية تقديم صورة أمينة لما يجري على الأرض، أقلّه في بيروت. هكذا كانت أوّل من نقل التطورات الأمنية في منطقة الكولا، من دون تبرئة أنصار «المستقبل» من أعمال الشغب. إلا أن تغطيتها في الشمال اختلفت مع مراسلتها عليا إبراهيم التي أكدت في إحدى رسائلها أنها لا ترى أيّ مسلحين، وتجنّبت تسمية وسائل الإعلام التي تعرّضت للهجوم في «عاصمة الشمال». السياسة نفسها اعتمدتها mtv، فاكتفت بنقل الصورة مع تعليقات مراسليها على «غضب المحتجين»، من دون إشارة ولو بسيطة إلى أن اللعبة أفلتت من أيدي أصحابها.
في المقلب الإعلامي الآخر، لم تتردّد nbn في تجييش جمهورها من خلال بثّ أخبار مضخّمة عمّا يحصل في شوارع بيروت. وفيما جاء أداء otv باهتاً (لولا كليب يجمع بين مشاهد التخريب وخطاب الحريري الواعد بالاحتكام إلى الدستور)، بدت «الجديد» الأوضح في تغطيتها، فسمّت الأشياء بأسمائها. أعلنت في مقدمة نشرة الظهيرة أن ««المستقبل» أثبت اليوم (أمس) أنه قادر على أن يصنع «7 أيار» خاصاً به». كذلك كانت أوّل من اتّصل بمدير مكتب «الجزيرة» في بيروت غسان بن جدو (الموجود في تونس) ليعلن أن إدارة المحطة طلبت من قوى الأمن حماية مكاتبها في العاصمة اللبنانية. وهو النداء الذي يبدو أنه حرّك مشاعر فريق الحريري الذي بدأ بالظهور تباعاً على الشاشة ليعلن استنكاره لما حصل مع طاقم «الجزيرة». استنكار كرّره سعد الحريري في كلمته أمس، مرفِقاً إياه باعتذار من المحطة. أما الإعلام المحلّي، فسقط من حسابات رئيس الحكومة السابق.
أما «المنار»، فاختارت تقنيّة تواصل أخرى، ساعدتها عليها الروزنامة. لقد اقتصر بثّها ـــــ باستثناء أخبار عاجلة أسفل الشاشة ـــــ على نقل وقائع الذكرى الأربعين للإمام الحسين في بعلبك. في انتظار أن يطلّ السيّد حسن نصر الله، وينهي خطبته الدينيّة بإعلان موقف سياسي عام من المرحلة الجديدة، متجاوزاً كل الذبذبات التي فرضها «يوم الغضب» على المشهد الإعلامي.