بوسعنا القول إنّنا عشنا أمس «يوم غضب» تلفزيونياً طويلاً. المواطنون التونسيّون الذي مشوا إلى العاصمة من أعماق الجمهوريّة في «موكب الحريّة»، واصلوا الاعتصام أمام مقر رئاسة الوزراء في ساحة القصبة (حيث حلّ ضيفاً جيفري فيلتمان)، مطالبين ـــــ بعدما أسقطوا الطاغية ـــــ بتأليف «حكومة وطنيّة». وفي القاهرة احتجّ الآلاف المواطنين على سياسة الحكومة الحاليّة... حالمين بأن تنتقل إليهم عدوى الربيع التونسي. تأخرت صور التظاهرات المصريّة والقمع البوليسي الذي تلقّفها، لكنّنا شاهدنا أخيراً بحماسة، المعتصمين في ميدان التحرير.أما في لبنان، فنزل الناس إلى الشارع أيضاً، لكن ليس بالطريقة نفسها. اختلطت علينا الصور قليلاً: الشعب الملتحم في تونس، المسالم برغم غضبه العارم، بعدما شرّع صدره العاري أسابيع طويلة لرصاص بن علي، يخاطب الرأي العام أمام الكاميرا، وينتظر بهدوء وصبر ذهاب رئيس الحكومة الذي يمثّل العهد البائد. أما الجماعات العنيفة التي أشعلت النار في طرابلس وبيروت ومدن وبلدات أخرى، وصادرت الكاميرات واعتدت على الصحافيين، فتعلن تمسّكها برئيس الحكومة الذي لا يقلّ عن أقرانه العرب تواطؤاً على مصالح شعبه. إنّه الفرق بين صورة الشعب الموحّد الذي يبتسم للتاريخ أمام الكاميرا، في الجمهوريّة العريقة، وصورة القبيلة المهزومة التي أدارت ظهرها للكاميرا في مملكة الطوائف. ذاك يطالب بحاكم عادل للجميع، وهذه تتمسّك بشيخها ظالماً أو مظلوماً، وتريد أن تفرضه على الجميع بمعزل عن اللعبة الدستوريّة. الكاميرات الأجنبيّة لم تلاحظ الفرق، لأنها لا تعرف أو لا تريد أن تعرف. هكذا بدا أتباع «المستقبل» الغاضبون امتداداً لحركة مطلبيّة وديموقراطيّة عربيّة. كيف لا وهم يقفون سداً منيعاً في مواجهة «مرشّح ولاية الفقيه» كما يسمّيه مراسلو «الفيوتشر»؟ لكن بماذا تختلف «يورونيوز» عن «الفيوتشر»؟
وإذا كانت وزيرة الخارجيّة الفرنسيّة قد عرضت خبراتها البوليسيّة قبل أقل من أسبوعين على الديكتاتور التونسي المترنّح، فإن زميلتها الأميركيّة قد أعلنت أمس تحفّظ بلادها على حكومة «يسيطر عليها حزب الله». هذا التصريح سمعناه ونحن نشاهد في الوقت نفسه مجموعة هائجة تحطّم سيّارة بث «الجزيرة» قبل أن تحرقها، وتطارد فريق «الجديد» وسواه من الصحافيين. وسمعنا استغاثات مالك الشريف (الجديد) وماجد عبد الهادي (الجزيرة) المحاصرين مع زملائهما داخل أحد مباني ساحة النور في طرابلس. الشيخ سعد الذي لم يتمكّن من إعادة الهدوء بندائه، توجّه بالاعتذار إلى محطّة «الجزيرة» ونسي المحطات اللبنانية. «يوم الغضب» كان في الحقيقة «يوم العار»، يوماً أسود في ذاكرة الإعلام اللبناني. لكنّنا لن نسمع على الأرجح استنكار «الحرقوصيين» وغيرهم من الغيارى على حريّة التعبير.