بغداد| من الأحداث المهمة التي شهدتها بغداد أخيراً معرض «كاريكاتور عراقيّ» الذي أقيم بمبادرة من مجموعة من الرسّامين الذين ينتمون إلى مختلف الأجيال والحساسيّات الفنيّة. وقد جاء المعرض ليجسّد واقعاً مأزوماً تحاصره الصراعات السياسيّة، والحريّات المهدّدة، والحواجز الاسمنتية، والتصفيات الجسديّة، والجماعات المسلّحة. ميزة المعرض أنّه جمع أكثر من 20 فناناً عراقياً من داخل البلد وخارجه، ومن الشباب والأسماء المكرّسة.
هكذا، كان الجمهور أمام اشتغالات متعدّدة راوحت بين البورتريه والرسوم الانتقاديّة التي تحاول الإحاطة، عبر أساليب ومقاربات شتّى، بيوميّات الإنسان العراقيّ وما يعتريها من خيبات وتحدّيات.
الفروق الأسلوبية واضحة في المعرض، من رسوم بسام فرج بخطوطها وكلماتها المنسقة، الى رائد نوري وتلقائيّة خطوطه، وصولاً إلى خضير الحميري حيث الإمساك بالمفارقة الاجتماعيّة وتحويلها الى كاريكاتور. وقد استعاد المعرض تجربة الفنان المبدع مؤيد نعمة الذي رحل عام 2005. «حلاوة التجربة تكمن في التقاء أربعة أجيال في معرض واحد مثّل فرصةً لحوار موسّع بين أساليب وتوجهات واجتهادات مختلفة» هذا ما يراه خضير الحميري الذي يرسم بمهارة صراع الساسة وهم يهمّون بالصعود الى كرسي الحكم، بينما يهيّئ أحدهم منشاراً ينال به من منافسه.
ولعلّ المعرض جاء ليشير بقوّة الى خصوصية الرسم الكاريكاتوريّ في العراق لكونه وليد المدرسة التشكيليّة العراقيّة. كما بيّن أثر ازدياد عدد الصحف والمجلات اليوم في التراكم الحاصل في المشهد الكاريكاتوري. من دون أن ننسى ما أبرزه المعرض من قدرة على توجيه النقد الحاد للسياسة العراقيّة ورموزها بطاقة تعبيريّة ممتعة للبصر، منحها التشكيل العراقيّ عناصر إبهاره.
أيضاً، احتلت المعرض بورتريهات ووجوه ثقافية وسياسية برزت على الساحة العراقيّة أو العربيّة وحتى العالمية. هكذا، رأينا بورتريهات لعبد الكريم قاسم، قاسم حول، بدر شاكر السياب، ياسر عرفات، محمود درويش، يوسف شاهين وشكسبير...
«الرسم بحريّة كاملة وبمسؤوليّة عالية» وصفٌ للمعرض جاء على لسان الفنّان علي المندلاوي الذي يرى أنّ سيطرة «النقد اللاذع على رسوم المشاركين أمر طبيعي جدّاً، لأن الكاريكاتور هو رأس الحربة في الصحافة الحرّة». ويعود المندلاوي ليشدّد على «أنّه كما انتعش الكاريكاتور في الحقبة السوداء من تاريخ العراق أيّام صدّام حسين، فإنّه سيتطوّر أكثر اليوم بدليل مشاركات الشباب في المعرض».