لا شكّ في أنّ الانتفاضة الشعبية في مصر، كانت بمثابة امتحانٍ لكل برامج الـ«توك شو». هكذا، راح المشاهدون يصنّفون المقدّمين ضمن خانتَين: المنحازين للنظام، والمتضامنين مع الشعب. البداية كانت مساء الأربعاء، حين غاب محمود سعد عن برنامجه «مصر النهاردة»، ليطلّ تامر أمين بدلاً منه. وأمين من أبرز الإعلاميين المتّهمين بالانحياز «الفجّ» للحكومة المصرية ولنظام حسني مبارك.
وكان غياب سعد كافياً لإطلاق سلسلة شائعات. لكنّ الجدل انتهى حين خرج مستشار وزير الإعلام المصري أحمد طه أمس ليقول إن «التلفزيون المصري» منح محمود سعد «إجازة مفتوحة... بسبب خلافات مع رئيس تحريره حول الخطوط العريضة لسياسة البرنامج الإعلامية». من جهته، ردّ سعد في حديث مع «وكالة فرانس برس» قائلاً إنه يرفض الظهور على الشاشة «ليقول كلاماً عكس قناعاته ومخالفاً للحقيقة». وذهب الإعلامي «المشاغب» أبعد من ذلك حين أكّد أنّ «ما يحدث في مصر شيء رائع وصحي ولا بد أن نكون جميعاً معه».
لم يكن سعد الإعلامي الوحيد الذي تعرّض لـ«الحظر الرسمي». فاجأت منى الشاذلي جمهور برنامجها «العاشرة مساءً» باعترافها مباشرة على الهواء بأنها تتعرّض لضغوط كبيرة، وأن حلقتها هذه ستكون الأخيرة. مع ذلك، استضافت ممثلاً لـ«الحزب الوطني» هو حسام بدراوي، ورئيس تحرير «المصري اليوم» مجدي الجلاد، ورئيس «حزب الجبهة» أسامة حرب. لكن الاتصال الأعنف كان من الإعلامي عماد الدين أديب الذي وجّه سؤالاً إلى ممثل «الحزب الوطني» هو «أين الـ3 ملايين عضو في الحزب الحاكم مما يحدث في الشارع؟» في إشارة مباشرة إلى مبالغات حزب الرئيس مبارك في الترويج لشعبيّته. كذلك شهد برنامج «تسعين دقيقة» على «المحور» أول هجوم إعلامي عنيف على أمين التنظيم في «الحزب الوطني» أحمد عز. وحمّله الكاتب الصحافي عادل حمودة مسؤولية كل ما يحصل في الشارع المصري.
وفي ظلّ كل هذا «التشويق» على الشاشات الخاصة، بدا واضحاً تراجع الاهتمام الجماهيري بالتلفزيون الحكومي خصوصاً مع تكرار البروباغاندا المضلّلة التي تحمّل جماعة «الإخوان» مسؤولية ما يحصل. كانت تصريحات المسؤولين المكررة على الفضائيات، تؤكّد أن الوضع بات خطيراً، لوحظ أيضاً تغيّر في موقف بعض الإعلاميين ـــــ مثل نبيل بباوي ـــــ الذين لم يتعبوا طيلة السنوات الماضية من الدفاع عن نظام مبارك، على الشاشات المصرية والأجنبية.
كذلك أطلّ مجدي الدقاق على قناة «الجزيرة» معلناً أنه يشارك بصفته صحافياً، لا ممثلاً للحكومة، متناسياً أنه عضو أمانة التثقيف في الحزب الحاكم. وهو الحزب الذي يبدو أن رموزه الإعلامية بدأت تتخلى عنه.
وفيما توارى عن الأنظار إعلاميون مثل عبد الله كمال وممتاز القط ومحمد علي إبراهيم... خرج أحد أقدم المسؤولين في مصر، وهو صفوت الشريف، ليؤكّد أن مطالب الشباب «فوق رؤوس المسؤولين». لكنه شدّد على أن التظاهرات لا تعبّر عن كل شعب مصر. وبغض النظر عما قاله الشريف، استنتج المراقبون أمراً واحداً، هو أن الحرس الجديد في الحزب الحاكم الذي يقوده جمال مبارك، قد انتهى دوره.