صنعاء ـــ يستخدم رجال الصف الأول في الإعلام اليمني الرسمي مصطلح «الخصوصية اليمنية» عندما يريدون الإفلات من نقاش حالة سياسية لا تنسجم بالضرورة مع مزاج الرجل الأول في البلد. هم يعرفون ـــــ بحكم قربهم منه ـــــ الموضوعات والطريقة التي ينبغي تناولها أو تلك التي ينبغي تجاوزها والقفز عنها.أربع صحف رسمية («الثورة»، و«الجمهورية»، و«14أكتوبر» و«السياسية») إضافة إلى القناة الفضائية الأولى، أظهرت أداءً متطابقاً في الحالة التونسية. ظلت حتى وقت متأخر من تطور الانتفاضة الشعبية هناك تراوح بين استخدام مفردات مثل «لا تزال الأمور غير واضحة ويكتنفها الغموض»... أو تكتفي بالنقل عن وكالات عالمية، مبعدةً نفسها عن إبداء أي رأي قد يُحسب عليها.
أما الفضائية الأولى، فلديها الخبرة في كيفية التهرّب من بثّ أخبار مماثلة تتعلق بحركات انتفاضة شعبية أو انفصالية. إنها تعاني من حساسية شديدة، وخصوصاً من الكلمة الأخيرة. هكذا، تعمد إلى بث أخبار الرئيس وتحركاته بالتفصيل، وقد تمتد ساعةً، يكون المشاهد قد ملّ الجلوس أمام الشاشة لتبدأ بعد ذلك الأخبار العربية. ليس هناك أخبار طارئة أو عاجلة تسبق أخبار الرئيس.
وحدها جريدة «السياسية» تفرّدت بنشر ملفات خاصة عن تونس وعن حجم الفساد السياسي والاقتصادي الذي كان مستوطناً هناك، مع تركيزها على فساد ليلى الطرابلسي وعائلتها، واستمر هذا التركيز إلى ما قبل افتتاح الشباب المصري لثورته.
مع قدوم هذه الأخيرة، صار موقف وسائل الإعلام الرسمية هذه المرة حرجاً، وخصوصاً مع كثرة تداول المانشيت الشهير القائل إنّ أي شيء يحدث في مصر ينعكس بالضرورة على اليمن. هكذا، ابتعدت هذه الوسائل عن إبداء رأي مباشر في ما يجري، مكتفيةً بتسليط الضوء على التداعيات السلبية من وجهة نظرها. جريدة «الثورة» ـــــ وهي الأولى بين الصحف الرسمية ـــــ اكتفت بنشر أخبار عن عدد القتلى، وتفاصيل عن حالة الاضطراب الحاصلة، مع التركيز على حالة الناس المعيشية التي جاءت على هيئة عناوين مثل «74 قتيلاً ضحايا الاحتجاجات وسط تصاعد وتيرتها واتساع دائرتها»، و«تعطّل المخابز يدفع المصريين إلى المعجنات»... كأنها إشارات تحذيرية لمواطني البلاد من خطورة تكرار النسخة التونسية أو المصرية.
لكن المشهد ليس قاتماً إلى هذا الحد. هناك أخبار عن قرب تمكّن اليمنيين العالقين في مطار القاهرة من العودة إلى أرض الوطن. ونقرأ خبراً نشرته «الثورة» في موقع الصدارة صباح أمس: «رئيس الجمهورية يوجّه الحكومة للتكفّل بنفقة نقل اليمنيين في مصر الراغبين في العودة إلى الوطن». لا بد من أن ينتصر علي صالح في النهاية!