القاهرة ــ لا مكان في ميدان التحرير للمترددين. هؤلاء الذين يسعون إلى نيل رضى النظام المترنّح وممالأة الشعب في آن واحد، كُشفوا أخيراً على حقيقتهم. وعكس كل الشائعات والأخبار التي تقول إن المتظاهرين في ميدان التحرير في القاهرة معزولون عن العالم، فإن المعتصمين مطّلعين على كل تفاصيل ثورتهم، ويعرفون من هي الشخصيات العامة التي دعمتهم منذ الخامس والعشرين من كانون الثاني (يناير)، ومن تلك التي انتقدتهم وعدّتهم مجرّد «مغامرين» أو مخرّبين.وانطلاقاً من هذا الواقع، بات المحتجون في الساحة المصرية، لا يتردّدون في طرد أي شخصية خسرت رهانها على النظام، فقررت الانضمام متأخرةً إلى صفوف الثورة. البداية كانت مع الإعلامية لميس الحديدي التي استقبلها المتظاهرون بهجوم عنيف وحملة شرسة مثل: «الكدابين أهم أهم أهم»، ثم «الكدابين برا» أي خارج الميدان. لم تصمد الإعلامية الشهيرة أكثر من دقائق ثمّ غادرت من دون وداع. ولعلّ سبب الغضب على الحديدي ليس فقط عملها في «التلفزيون المصري»، بل أيضاً موقفها العام من الثورة منذ اندلاعها. ردّة الفعل نفسها واجهها زوج الحديدي، عمرو أديب الثلاثاء الماضي (راجع الصفحة المقابلة)، وإن كان بحدة أقل. وبدا واضحاً أنّ شباب الميدان غير مقتنعين بأن الإعلامي الشهير يساندهم، بسبب مواقفه الباهتة التي جمعت بين انتقاد الحكومة وتأييد مبارك. لكنه نجح بعد صعوبات جمة في تصوير لقاءات عدة مع المعتصمين.
أما ردة الفعل تجاه تامر حسني فكانت متوقعة. ويبدو أن المغنّي الملقّب بـ«نجم الجيل» لا يزال متمسكاً بطريقته القديمة في خداع الجمهور. بعدما اتصل بـ«التلفزيون المصري» باكياً بسبب ما يتعرّض له الرئيس حسني مبارك من هجوم، عاد وقدّم أغنية للشهداء لم تنل أي نجاح جماهيري. ثمّ عندما شعر بأن شعبيته بدأت تتدهور، قصد ميدان التحرير واعتلى المنصة محاولاً مخاطبة الجماهير. لكنّه لم ينجح، بعدما أُنزل بالقوة واصطحبه بعض الشبان إلى مكان بعيد نسبياً. هناك صُوِّر بالفيديو وهو يبكي ويؤكد أنه كان مخدوعاً وأن تصريحاته السابقة كان هدفها «حماية أمن البلد».
وامتدّ غضب المعتصمين ليطال أحمد السقا الذي لم ينجح في الصمود طويلاً داخل الميدان، وخصوصاً بعد تصريحاته التي قال فيها إن المتظاهرين سبب الانفلات الأمني الذي شهدته شوارع القاهرة. وبالتالي، فإن وجوده في ساحة الثورة كان أمراً مرفوضاً.
هجوم مشابه تعرّض له محمد عادل إمام، لكن الأخير صمد بمساعدة الشباب الملتفّين حوله، الذين أقنعوا الغاضبين بأنّ الشاب ليس مسؤولاً عن تصريحات والده. من جهة أخرى، بدأ بعض أنصار حسني مبارك في التراجع عن مواقفهم، إما بسبب الهجوم العنيف عليهم من الجمهور، أو بسبب تأكدهم من أنهم يقفون في المعسكر الخاسر. هكذا خرجت الممثلة سماح أنور لتَنفي ما نسب إليها من دعوات لحرق المتظاهرين. وقالت إنها عندما اتّصلت بـ«الفضائية المصرية»، سألت المذيع عن هوية الموجودين حالياً في الميدان، فأجابها بأنهم «الإخوان المسلمون»، وجاء ردها «خلاص ما يتحرقوا»، أي إنها لم تكن تعرف أن الشباب في الميدان من كل الأطياف السياسية!
كذلك خرج نقيب الفنانين أشرف زكي لينفي عن نفسه تهمة تجميع الفنانين وحثّهم على المشاركة في تظاهرة مؤيدة لمبارك. وادعى أنه فوجئ بوجود 14 فناناً في التظاهرة الأولى التي خرجت بعد خطاب مبارك الثاني، رغم أنه كانت بين المتظاهرين شقيقته ماجدة زكي، وزوجته روجينا، وعضو مجلس النقابة نهال عنبر، وبعض الممثلين المغمورين الذين لا يظهرون إلا في الحملات الانتخابية لزكي. وتعرض أحمد حلمي للإغماء بسبب ترحيب المعتصمين به، ما أدى إلى خروجه سريعاً من الساحة. وفيما قاد خالد صالح تظاهرة ضد النظام مساء الاثنين الماضي، نجحت شيرين عبد الوهاب في تفويت الفرصة لتوجيه أي انتقاد لها بعدما التزمت الصمت في الأيام الأخيرة وأحيت حفلةً في دبي منذ أيام. واكتفت المغنية بالقول إنها حزينة على ما يجري. وعندما ظهرت النجمة المصرية في ميدان التحرير، احتفى بها المعتصمون وغنت النشيد الوطني. ثمّ أعلنت أنّها لن تغني مرة أخرى لـ«التلفزيون المصري» في خطوة غير مباشرة تعلن تبرُّئها من أغنية «ريّسنا» التي قدمتها بعد عودة الرئيس مبارك من رحلة علاجية العام الماضي.



زينة والآخرون

أصدر الشباب المتظاهرون في ميدان التحرير ما يشبه قائمة سوداء بأسماء الفنانين الممنوعين من الانضمام إلى الثورة، بسبب دعمهم للنظام. وتضمّ اللائحة هؤلاء الذين شاركوا في تظاهرات دعم مبارك مثل زينة، وعمرو مصطفى، وشمس البارودي، وحسن يوسف...



دموع التماسيح

في خلال ساعات قليلة، انتشرت على موقع «يوتيوب» عشرات الأشرطة التي تصوّر تامر حسني وهو يبكي بعد طرده من ميدان التحرير. وانهالت التعليقات على هذا المشهد، فرأى بعضهم أن «نجم الجيل» يحاول يائساً اللحاق بقطار الثورة «لكن المصريين اكتشفوه على حقيقته الخادعة» كتب أحدهم. وقارن آخرون بين دموع تامر حسني، ودموع وائل غنيم التي ذرفها في برنامج «العاشرة مساءً» بعد إطلاق سراحه، «دموع غنيم تحمل قيَم الثورة، وتليق بدماء الشهداء، أما دموعك يا تامر فهي دموع التماسيح... للأسف نخبرك أن الشعب المصري لم يعد يحبّك» كتبت فتاة تدعى «نجمة مصر». وفي وقت تجنّد معجبو حسني للدفاع عن صورة نجمهم، رأوا أنّ لحاقه بالثورة متأخراً خير من أن يبقى في صفوف المتردّدين «تامر لا يخجل من مواقفه، ولا يتردّد في الاعتذار عندما يشعر بأنه مخطئ».