«ليبان جاز» يعود إلى نفسه. بعد انحراف موقت عن هويّته المرتبطة بـ«الجاز»، مختتماً موسمه الماضي مع «تريو جبران» الفلسطيني، تصالح المهرجان اللبناني البارز مع رسالته الأولى. في افتتاح موسم 2011، يستعيد دوره عبر دعوة فنان جاز يليق بالمهرجان. إنه عازف الساكسوفون والمؤلف الإيطالي ستيفانو دي باتيستا (1961) الذي يزور لبنان للمرة الأولى مع فرقته المؤلفة من روبيرتو بيستوليزي (بيانو)، وفرانشيسكو بوغلييزي (كونترباص) وروبيرتو تيرنزي (درامز).مثلما هو معروف، يميل القيّمون على Liban Jazz إلى الجاز الفرنسي (أو الفرنكوفوني عموماً) في الدرجة الأولى، ثم إلى الأوروبي، إضافة إلى بعض الاستثناءات الأميركية وسواها. لكن الجاز الإيطالي بات يتكرر في هذه التظاهرة الدائمة، ولو أن معظم الذين شاهدناهم في فضائه البيروتي لهم علاقة بفرنسا، بشكل أو بآخر، لكون العاصمة الباريسية من الأمكنة النشيطة موسيقياً على مستوى المهرجانات وإنتاج الأسطوانات. من هنا، كان اسم ستيفانو دي باتيستا متوقعاً، بعدما سبقه إلى «ليبان جاز» جيوفاني ميراباسي، وباولو فريزو، وفرقة «Air» التي تضم زميل دي باتيستا، فلافيو بولترو، إضافة إلى الحضور الإيطالي الأبرز الذي يعود إلى شباط (فبراير) 2010، ونقصد عازف الترومبت المخضرم أنريكو رافا.
إذاً، قبل دخول لبنان أجواء الأنغام الكلاسيكية الغربية مع «مهرجان البستان» الذي ينطلق قريباً، تأتي أمسية الجاز في «ميوزكهول» لتعوّض في أكثر من مكان. أولاً، عن أمسية «البستان» الوحيدة المكرّسة لهذا النوع، وهي لا تمثّل حدثاً في هذا المجال. ثانياً، عن آخر موعد في «ليبان جاز» («تريو جبران»). ثالثاً، عن مواعيد الجاز في المهرجانات الصيفية، إذ تقع أمسية دي باتيستا بين تردّد أنغام الصيف الماضي (خصوصاً في مهرجانات بعلبك) والشوق إلى مفاجآت الموسم المقبل. قد يبدو أن ثمة مبالغة في الآمال المعقودة على أمسية الغد استناداً إلى ما تقدّم. لكن رصيد ستيفانو دي باتيستا في مجال الجاز، واعتماده الجاز الكلاسيكي غير المرتمي في أحضان الحداثة إلا بالحدود المقبولة، يجعل منه شخصية مرغوبة لدى جمهور الجاز النقي.
يُعدّ ستيفانو دي باتيستا من أبرز أسماء «الجيل الجديد» إذا صحّ التعبير. في رصيده ستة ألبومات، أولها Volare يعود إلى 1997 وآخرها Trouble Shootin (2007) الذي اعتُمد عنواناً للأمسية المرتقبة. وبالتالي، يُرجّح أن يمثّل الجزء الأكبر منها. في رصيده المسجّل هذا، عمد دي باتيستا إلى استرجاع كلاسيكيات الجاز وإلى تقديم الجديد، أي مؤلفاته الخاصة، أو إلى مزج الاثنين، كما في ألبومه الأخير مثلاً.
إتقانه الساكسوفون ألتو (إلى جانب السوبرانو أيضاً) وعشقه لفترة الخمسينيات دفعاه إلى تقديم تحية إلى تشارلي باركر من خلال ألبوم «مزاج باركر» (2004) الذي حوى أداء لكلاسيكيات تلك الفترة، من تأليف باركر أو زملائه في تلك الحقبة (ديزي غيلسبي، تيلنيوس مونك...). قبل هذا الألبوم، قدّم دي باتيستا تحيته إلى موطنه، فأصدر عام 2002 عملاً بعنوان Round About Roma. تمثّل هذه المحطة استثناءً على مستوى الشكل في ريبرتوار ستيفانو دي باتيستا. بعد اعتماد التركيبة المعهودة في الجاز، لجأ في ألبومه «الإيطالي»، التصويري النزعة، إلى أوركسترا متوسطة الحجم (على طراز الحقبة الكلاسيكية)، وأسند مهمّة التوزيع والقيادة إلى الاسم اللامع في هذا المجال، الأميركي فينس مندوزا الذي تولى أيضاً تأليف مقطوعتين إلى جانب مؤلفات صاحب الألبوم. قد يكون اعتماد الأوركسترا (الغنية بالوتريات) تحية غير معلنة إلى تشارلي باركر أيضاً، لكنها بالتأكيد ضرورة لتجسيد روما الحب والجمال والرومنسية. بالتالي، وفي المناسبة، يمكن أن يكون خياراً جيداً كهدية في عيد العشاق (يحوي استعادة لـ«روميو وجوليات»، موسيقى نينو روتّا لفيلم زيفيريلّي) بدلاً من أنغام ساكسوفون فاوستو بابيتي، مواطن ستيفانو، وزميله المحدود جداً.
يتقن زائرنا الإيطالي لعبة الجاز جيداً. هو موسيقي مكتمل من حيث تقنيات الآلة وقواعد الجاز. لذا ينجح غالباً في تقديم ارتجالات جيدة، كلاسيكية أحياناً لكنها خاصة. فهو يتميّز بنفخة دافئة على الساكسوفون، حتى في الجمل السريعة والمزخّمة، ولو حصل ذلك على الطبقات العالية. هذا ما جعله محطّ اهتمام أسماء كبيرة في عالم الجاز، مثل كيني بارون، عازف البيانو الشهير الذي شارك في تحية دي ستيفانو إلى باركر. إلفن جونز، عازف الدرامز الذي له رصيد حافل إلى جانب الأساطير، تعاون مع دي باتيستا في الاتجاهَيْن. وأيضاً، ميشال بتروتشياني، عازف البيانو الذي عاش ورحل ولم تفارقه الطفولة في الروح والجسد، دعا عازف الساكسوفون الشاب إلى أحد تسجيلاته.
وأخيراً، إذا حضرتم أمسية الغد في «ميوزكهول»، فلا تنسوا أن تغنّوا لستيفانو الأغنية الأشهر في العالم؛ بما أنّه مولود في 14 شباط (فبراير).



9:00 مساء غد الأحد ـــ «ميوزكهول» (ستاركو/ بيروت). للاستعلام: 01/999666