بعد الأمسية التمهيدية التي أحيتها «الأوركسترا العالمية للسلام» بقيادة الروسي فاليري غرغييف مطلع الشهر الماضي، أعلن القيّمون على «مهرجان أبو ظبي للموسيقى والفنون» برنامج موسم 2011 الذي ينطلق الشهر المقبل. بشّرت الأمسية المذكورة ببرنامج قوي رغم التراجع الطفيف مقارنةً بالسنة الماضية. في الموسيقى الكلاسيكية، وهي العمود الفقري في هوية المهرجان، شهد موسم 2010 أحداثاً سيسجّلها التاريخ بالتأكيد. أما هذه السنة، فالمواعيد الكلاسيكية معظمها ذو مستوى عالمي، لكن لا مفاجآت غير متوقّعة من جهة تملك القدرات المادية الكبيرة والخبرة التنظيمية الكافية. أما المفاجأة الوحيدة، فليست ذات طابع فني، بل... تطبيعي!
من بين الفنّانين المدعوين إلى أبو ظبي، يافيم برونفمان، الذي يقدّم أمسية وحيدة خلال المهرجان في الثاني من نيسان (أبريل) المقبل. برونفمان هو عازف بيانو كلاسيكي شهير، مولود في أوزبكستان، ويحمل الجنسية الإسرائيلية (والأميركية). وليس مصادفة أنّ معظم الفنانين الذين يتعاون معهم في تسجيلاته هم أيضاً إسرائيليون. وكما هو معروف، فالأسماء اليهودية تحتل الجزء الأكبر من عالم الموسيقى الكلاسيكية الغربية (الشق المتعلق بالأداء لا بالتأليف). أما حاملو الجنسية الإسرائيلية، فيشكلون أقلية في هذه اللائحة، ومعظمهم يحمل جنسية ثانية، ما يفرض على منظمي التظاهرات العربيّة الكبرى حدّاً أدنى من الحذر، فغالباً ما يؤمن «الجواز الثاني» دخولاً سهلاً لهؤلاء إلى العالم العربي.
اللافت أنّه ما من سيرة لبرونفمان لا تلحظ جنسيته الإسرائيلية (في قاموس سِيَر الفنانين كما في كتيّبات الأسطوانات وعلى الإنترنت). غير أن ذلك لم يرد في سيرته على موقع المهرجان. لسنا طبعاً في صدد التشكيك في نيّات المنظمين أو «محاكمة» أيّ جهة ثقافيّة عربيّة، لكن الحدث الظبياني ينبّهنا مجدداً إلى خطورة التساهل مع كل ما يمكن أن يشرّع باب التطبيع الثقافي مع الدولة العبرية. وربما كان من المناسب أن يتراجع المهرجان عن برمجة أمسية برونفمان. فالجزء الأكبر من الجمهور في مختلف الدول العربيّة، لا يهادن في مسألة مقاطعة الفنانين الذين يحملون الجنسية الإسرائيلية... وربّما كان الحرص المسبّق هو الحل الذي يوفّر على المهرجانات عناء إلغاء الحفلات في اللحظة الأخيرة وخلخلة البرمجة الفنيّة. باستثناء هذه الزلّة، سيشهد «مهرجان أبو ظبي للموسيقى والفنون» مواعيد كبيرة، من الموسيقى الكلاسيكية والأوبرا والجاز، إلى الباليه والرقص المعاصر والمعارض الفنية، كما يتمثل لبنان في هذا الحدث بعازف البيانو العالمي عبد الرحمن الباشا. لنا عودة عشية انطلاق المهرجان إلى البرنامج الغني الذي يستحقّ الاهتمام، من دون تجاهل الملاحظات الفنية... وغير الفنية.