رغم الوعود التي أطلقها الرئيس عبد العزيز بوتفليقة بشأن انفتاحه على المعارضة، لم تتغيّر لهجة «التلفزيون الجزائري» كثيراً في التعاطي مع التحركات الاحتجاجية في الشارع، ولو كانت المسيرة التي نظّمتها المعارضة أول من أمس تصدرت نشرة الأخبار الرسمية. ورغم أن السلطات الرسمية لم ترخّص لتظاهرة السبت الماضي، فإن «اليتيمة» (الاسم الذي يطلقه الجزائريون على محطتهم الحكومية) اختارت تغطيتها. لكن طبعاً كانت التغطية انتقائية. سمعنا مثلاً مذيعة النشرة الرئيسية تقول «فشلت المسيرة التي دعت إليها «التنسيقية الوطنية للتغيير والديموقراطية»». وبدا كلامها استمراراً لحرب معلنة بدأها التلفزيون الرسمي على التظاهرة. وتجاهلت القناة الحكومية صور التدافع والمواجهات بين المتظاهرين وقوات الأمن في الشارع، تماماً كما تجاهلت اعتقال عشرات المصورين والمراسلين المعتمدين، وإطلاق سراحهم لاحقاً. ويبدو حتى الساعة أنّ حلم الجزائريين بالإعلام التعددي سيبقى مؤجلاً، أقلّه عند الحديث عن الإعلام المرئي. وعود الرئيس بوتفليقة بالانفتاح تشمل فقط الصحافة المكتوبة، وهو الذي قال يوماً «لن أسمح بوجود قنوات خاصة ما دمت في السلطة»!
لكن رغم تخاذل الإعلام الرسمي الجزائري، بدت الفضائيات الأجنبية والعربية كأنها تنتظر ثورة مشابهة لتلك التي حصلت في تونس ومصر. وقد علمت «الأخبار» أنّ إدارة شبكة «الجزيرة» الناطقة بالعربية والإنكليزية بدأت اتصالات مكثفة ليل الجمعة الماضي مع إعلاميين وصحافيين ومثقفين جزائريين لمدّها بأسماء وعناوين مدونين، قد يزودونها بصور وأشرطة من التظاهرة، خصوصاً أن فريق القناة لا يزال ممنوعاً من العمل داخل الجزائر.
مثلما في تغطيتها لثورتي تونس ومصر، اعتمدت الفضائية القطرية على الصحافي نصر الدين علوي ليطلعها على سير الأحداث في الجزائر، من دون الإشارة إلى أنه مراسلها خوفاً من تعرّضه لملاحقات قضائية، فيما لم تنجح قناة «العربية» في تحقيق أي سبق صحافي وتفوق إعلامي رغم وجود مراسلها أحمد حرز الله الذي لم ينجُ من اعتقال الشرطة، مما قد يفسر التغطية الباردة للقناة! كذلك اعتقل مراسلون وصحافيون جزائريون وأجانب، ثم أطلق سراحهم لاحقاً، بينما قالت وزارة الداخلية الجزائرية إنها اعتقلت مصوراً يعمل لقناة فرنسية ويحمل هوية تونسية.
أما المفاجأة غير المتوقعة، فصنعتها هذه المرة الفضائية المصرية. إذ سجّلت مراسلتها تقريراً من دون الكشف عن هويتها. وبدا كأنّ القناة اختارت أن تؤدي دور «مصدِّر الثورة». هكذا استهلّت المراسلة تقريرها بالقول: «مستلهمة ما شهدته في تونس ومصر، خرجت مسيرة في الجزائر، يطالب أصحابها بالحرية وتحسين مستوى المعيشة». كذلك لم تتردد الفضائية المصرية في بثّ صور من المواجهات بين رجال الشرطة والمتظاهرين في مسيرة الجزائر، لتختم المراسلة تقريرها بالقول «مراقبون يرون أن المسيرة لم تكن بتلك القوة التي تهدّد حكم الرئيس بوتفليقة».