تونس ــ طارق بن عمّار يتاجر بالثورة التونسية؟ ما إن وضعت «ثورة الكرامة» أوزارها، حتى أعلن المنتج والسينمائي التونسي المعروف (1949) الذي ربطته علاقة وثيقة بالرئيس المخلوع زين العابدين بن علي، أنّه ينوي إنتاج شريط يتناول سيرة محمد البوعزيزي، البائع الجوّال الذي أحرق نفسه في سيدي بوزيد في 17 كانون الأول (ديسمبر) الماضي، مطلقاً الشرارة الأولى للثورة التي أسقطت نظام زين العابدين.طارق بن عمار المقيم في باريس، الذي ينام على ثروة مالية ضخمة وتربطه علاقات عائلية بالرئيس الراحل الحبيب بورقيبة، اشتهر بأنّه من أبرز المساهمين في تمويل وإنتاج وتوزيع عدد من الأفلام العالمية الضخمة مثل «قراصنة» لرومان بولانسكي، وFemme Fatale لبراين دي بالما، و«لا ترافياتا» لفرانكو زيفيريللي و«آلام المسيح» لميل غيبسون، وأعمال أخرى نجح في استقطاب مخرجيها الهوليوديين لتصوير بعض مشاهدها في تونس. منذ عام 2008، يشارك بن عمار في جزء من ميزانية الفضائية المغاربية «نسمة. تي. في» بالتعاون مع حوت المال والسياسة رئيس الوزراء الإيطالي سيلفيو برلسكوني. كذلك يمتلك أكبر مخبر لتحميض الأفلام في أفريقيا يقع في قمرت التونسية.
إلى هذا الحد، لا تخرج صورة بن عمار عن نطاق رجل «البيزنس» صاحب العلاقات الأخطبوطية في عالم السينما والتلفزيون. لكن السياسة ومتاهاتها كانت أيضاً من بين اهتماماته رغم أنّه لم يظهر أي مطامع لتولّي منصب مهمّ في الدولة. لكنّ المكانة المتميزة التي كان يحظى بها هذا الرجل في القصر الرئاسي سمحت له بتسهيل شؤونه. حصل على دعم مالي من الدولة يبلغ مليون دينار راح لـ«نسمة»، رغم أن القانون يمنع تقديم دعم مادي لقنوات خاصة، إضافة إلى امتيازات أخرى عديدة كانت كفيلة بأن تدفعه إلى التوقيع على «عريضة العار» التي «ناشدت» الرئيس السابق زين العابدين بن علي الترشح عام 2014 لولاية جديدة مناقضة لأحكام الدستور.
لكن ها هو بن عمار يلتحق بالثورة متأخراً، محافظاً على غريزة رجل «البيزنس» الذي يعرف جيداً من أين تؤكل الكتف، معلناً أنّ تصوير الفيلم الذي يتناول سيرة البوعزيزي سينطلق في أيار (مايو) المقبل.
لكن قبل الدخول في تفاصيل هذا المشروع، حرص بن عمّار على الإعلان أخيراً أنّ اسمه قد أقحم في العريضة الشهيرة من دون علمه أو توقيعه. طبعاً، لم تكن لديه الشجاعة لقول هذا قبل الثورة التونسية. لكن اليوم، ولّى زمن بن علي، وشريط عن شهيد تلك الثورة يعدّ أفضل طبق يقدم للتونسيين لتسويق طارق بن عمار مناصراً للثورة. إذاً، سينتج بن عمّار شريطاً يتمحور حول حياة هذا الشاب وصولاً إلى لحظة سكب البنزين على جسمه في فعل احتجاجي على الظلم. ويتوقع أن يشمل التصوير مدناً تونسية عدة، على رأسها سيدي بوزيد مسقط رأس البائع الجوال الشاب. ولفت بن عمار في حديث مع «وكالة الصحافة الفرنسية» إلى أنّه «سيوفّر للفيلم التقنيات العالية نفسها التي سخّرتُها لأفلامي السابقة وسأعمل على توزيعه عالمياً»، مؤكداً أنّ «العمل السينمائي هو أنجع وسيلة للحفاظ على تاريخ الشعوب». وأخيراً أضاف أنّ «السينمائيين هم قبل كل شيء سفراء شعوبهم وصانعو حكايات من منطلق واقعهم»، مستشهداً بأعمال سابقة لقيت نجاحاً لدى الجمهور والنقاد، خصوصاً فيلم «خارجون عن القانون» للسينمائي الجزائري رشيد بوشارب.
سيحمل الشريط توقيع المخرج محمد الزرن الذي بدا كأنه مورَّط في إنجاز الفيلم خصوصاً أنّه صاحب صدقية على الساحة السينمائية التونسية. وقال هذا الأخير لـ«الأخبار» إن «البوعزيزي ليس فقط ذلك المواطن في سيدي بوزيد الذي أحرق نفسه بعد تعرضه للمهانة. بل هناك البوعزيزي الشبيه في كل بقاع العالم». لعلّ الزرن أراد بذلك الردّ على الأخبار التي أفادت بأنّ عائلة البوعزيزي رفضت الحصول على عائدات الفيلم المالية التي أشار طارق بن عمار إلى أنها ستخصّص كلّها لها!