ينقلب الإنسان على ذاته حين يشعر بأنّ ما أراد الوصول إليه لم يكن هو الحلم الأساسي، أو الطموح المرجوّ، لهذا يدير ظهره للبحث عن النقطة الجوهرية... ما همّ إن كانت تلك النقطة الجوهرية تختلف تماماً عن الطريق الأولى أو يستغرق الوصول إليها وقتاً طويلاً. هذا ما حدث مع الفنان السوري نزار عثمان، الذي جاء إلى الفن من الحوزة العلمية، حيث أمضى سبع سنوات، وعوضاً عن أن يصبح شيخاً، صار فناناً.
في البدايات، عمل في ميدان الكاريكاتور، فشارك في معارض بين البوسنة والبرازيل وإيران وألمانيا والصين وأذربيجان وتركيا والأردن وسوريا وفلسطين ومصر...
في معرضه الفردي الأول «قامات التيه»، الذي نظّمته «جمعية متخرجي الاتحاد السوفياتي في بيروت»، يبتعد عثمان عن عالم الكاريكاتور، ويقدّم مجموعة لوحات زيتية، متّخذاً من التعبيرية الألمانية منهجاً في تنفيذ لوحاته، بعدما كان متأثراً بالمدرسة الواقعية.
يمثّل اللون المرحلة الجنينية للّوحة عند نزار عثمان، والأوكسيجين الذي تتنفسه. كأنّه يتفاعل مع اللون وجدانياً قبل مزجه على اللوحة، ثم يطلق لنفسه العنان في توزيعه على الكتل ضمن فضاء اللوحة. أما الخط، فيعبر عن حساسيته، إذ إنه ينحته في فضاء اللوحة للتعبير عن مكنونات نفسه وحالته المزاجية.
في بداية مسيرته الفنية، اتجه نزار عثمان إلى ميدان الكاريكاتور الذي يحظى بشعبية أكبر من باقي الفنون التشكيلية. شعبية الكاريكاتور لم تمنحه حتى الآن الكثير من اهتمام النقّاد والباحثين في العالم العربي.
هل السبب هو النظرة السائدة إلى الكاريكاتور في الثقافة الرسميّة العربيّة، بصفته «فنّاً من الدرجة الثانية، لا يتّسع لتجارب واستعراضات تشكيلية معقّدة»؟ هل ارتباطه الوثيق بالصحافة اليومية، جعله ابناً عاقّاً للفنون التشكيلية؟ ألا يمكن المبدع أن يعيش بتناغم هذا الانتماء المزدوج: بين الكاريكاتور، وضرورة وصوله الفوري الى المتلقّي، وبين مشاغل أسلوبيّة وجماليّة مركّبة.
تلك الأسئلة تطرحها تجربة نزار عثمان، وهو أحد الذين رسّخوا تقاليد المدرسة الواقعية للكاريكاتور العربي. رسم بتقنيّتَي الزيت والاكريليك، خلافاً لما تفترضه الذهنيّة المهيــمنة من نظرة اختزاليّة إلى «البساطة التقنية». هكذا جمع بين العالمين ساعياً إلى بناء اللوحة الكاريكاتورية، لكنّ صالات العرض لا تتسع غالباً لهذا الاتجاه الواقعي، الذي تضيق به الصحافة أيضاً.
كل ذلك دفعه إلى غض النظر عن مشروعه، وانتقل إلى فضاء التشكيل. تلك الخطوة نقلته إلى عالم أرحب يعبّر فيه عن رؤاه ومشاغله بحريّة وعفويّة، بعيداً عن قيود اللوحة الكاريكاتورية. لم يعد عثمان مشغولاً بتلك «الرسالة» المباشرة، بل نحا أخيراً إلى التعبيريّة والتجريب... حيث انتهى الكاريكاتور، بدأت
اللوحة.