لا تحتاج إلى الكثير من الوقت لتستدلّ على هوية الفنان بولص سركو. حالما تلج مرسمه، تطالعك لوحة عملاقة لتشي غيفارا، وأخرى للمناضلة راشيل كوري بالكوفية الفلسطينية. فيما أحمد الزعتر حاضر بقوة من خلال صوت خالد الهبر. على مدى تجربته الفنية، يتحوّل هذا التشكيلي السوري باستمرار. يمزج العام بالخاص، والتجريد بالواقعي، لكن تحوّله في الفن يقابله ثبات وتمسّك بأفكار سياسية كوّنت وعيه ورؤيته إلى الحياة. «أليس الفن حرية؟ لماذا يريدون أن يفرضوا موضوعاتهم عليّ.
ثمة اعتقاد رائج بأنّ من يرسم موضوعات وطنية وقومية، يتنازل عن القيمة الفنية في لوحته. وهذا ليس صحيحاً. في لوحاتي أحافظ على المستوى الفني وأطرح أفكاراً تدافع عن حقوق الشعوب المظلومة» يقول.
تجربة هذا الفنان ليست كتجارب بقية أبناء جيله، هو لم يأخذ منحى تصاعدياً. نضجت أدواته منذ البداية، وراح ينوّع بجرأة، لتغدو لوحاته تنويعات وتشكيلات وتقاطعات وحركات ولمسات لونية تراوح بين رسم واقعي مركّز، وأداء لوني تجريدي انفعالي. يقول: «أمزج بين الواقعية والتجريد. أستخدم كل شيء من تقنيات وأدوات ووسائل. أريد أن تعبّر اللوحة عن رؤيتي إلى الفن على أنه حرية».
وقع اختيار بولص سركو على مدينة أوغاريت الأثرية القريبة من مدينته اللاذقية، لتكون موضوعاً لأحد معارضه. يقول: «في أوغاريت، تأثيرات حسية وبصرية مفتوحة على الفنون الأخرى، ولها طابعها الخاص، مما يجعل اللوحة المأخوذة من إيحاءات أوغاريت تتمازج فيها الحرارة اللونية مع الهدوء البصري، الذي يخلق توازناً نفسياً يشعر به المتلقّي بعيداً عن التكلف».
ولعل رواج رسم الزخرفة الإسلامية والأيقونة المسيحية للإيحاء بأنّ هذه مكونات الهوية التشكيلية السورية، من الأسباب التي جعلته يختار أوغاريت، «هؤلاء الذين يرسمون بهذه الأساليب والموضوعات، سحبوا الفن التشكيلي من حياتنا الاجتماعية، جعلونا مجتمعاً بلا فن. والأخطر أنهم يتقاطعون برؤيتهم مع مخططات النظام العالمي الجديد، الذي يسعى إلى إعادتنا إلى هوياتنا الدينية والمذهبية».
يمضي بولص سركو هذه الأيام الكثير من الوقت في ميناء الصيادين. يدقق في ملامحهم وتفاصيلهم. يلتقط قدرتهم على مصادقة البحر بجميع حالاته. «أحضّر حالياً معرضاً عن البحر والسفن والنوارس والصيادين. أذهب إلى الشاطئ لأراقبهم وأكتشف كيف تدل عين الصياد على حلمه وأساه وتعبه».