القاهرة| لا شكّ في أن سقوط حسني مبارك يوم الجمعة الماضي، كان من أبرز مكتسبات «ثورة 25 يناير»، لكن الطريق لا يزال طويلاً أمام إرساء أسس مجتمع مدني وعصري، يناسب تطلعات الشباب الذين أشعلوا «ثورة الغضب»، كذلك، فإن التخلّص من رواسب الفساد الذي تغلغل في مختلف القطاعات الأساسية خلال ثلاثين سنة، يحتاج إلى خطة عمل واضحة.
انطلاقاً مما سبق، يمكن النظر إلى واقع الوسط الفني بعد إسقاط النظام.
البداية من قطاع الدراما، الذي يعاني منذ فترة حالة عدم استقرار بسبب الأزمة المالية الخانقة، غير أن الثورة التي دهمت الجميع قلبت كل الحسابات، وتوقّف تصوير كل المسلسلات. بعدما هدأت الأوضاع الأمنية والسياسية الأسبوع الماضي، قرّر بعض المنتجين والمخرجين العودة إلى البلاتوهات لاستكمال التحضير لأعمالهم، لكن خطتهم لم تنجح بسبب المشاكل التي تشهدها النقابات الفنية. أما الأعمال التي لم يكن قد بدأ تصويرها بعد، فتواجه جميعها مصيراً مجهولاً. ويحتاج منتجوها إلى المزيد من الوقت لاتخاذ قرارهم الأخير، وهو ما لن يحدث قبل بداية شهر آذار (مارس) المقبل، وبالتالي سيكون الوقت ضيّقاً أمامهم إن أرادوا اللحاق بالموسم الرمضاني. وحتى الساعة، يبدو أن كل السيناريوهات ستبقى كما هي، بسبب استحالة تغييرها لتناسب الأوضاع السياسية، والأحداث التي شهدتها مصر، إلّا أن مشكلة أخرى أكثر تعقيداً برزت أخيراً: الفوضى العارمة التي يعيشها «التلفزيون المصري»، إذ يستحيل على «ماسبيرو» الدخول كشريك في إنتاج أيّ عمل رمضاني حالياً، كذلك، فإنّ المعلنين سيتأثرون حتماً بكل التطورات الحاصلة، إلى جانب الأزمة المالية، وهو ما سينسحب على حماسة الفضائيات لشراء الأعمال الدرامية.
من جهة أخرى، فإن التحضير للانتخابات الرئاسية المقبلة التي يُفترض أن تقام خلال ستة أشهر، سيشدّ المشاهدين إلى القنوات والبرامج السياسية، كما أن الجمهور لن يقبل بعد الثورة أعمالاً مثل «زهرة وأزواجها الخمسة» لغادة عبد الرازق. والدليل أن مسلسل «سمارة» للممثلة نفسها لا يزال تصويره متوقفاً، ومصيره مجهولاً، وخصوصاً أن المصريين غاضبون من عبد الرازق بسبب مواقفها الداعمة للنظام. طبعاً ليست غادة عبد الرازق وحدها التي ستدفع ثمن مواقفها المعادية للثورة، بل إنّ كل النجوم الذين هاجموا المتظاهرين واتهموهم بالعمالة، والتخريب، والبلطجة، سيكونون على موعد مع الحساب اليوم في نقابة الصحافيين في القاهرة، إذ قرر محررو الصفحات الفنية في مصر عقد لقاء موسّع للاتفاق على موقف محدد من هؤلاء الفنانين. وهنا لا بدّ من التمييز بين المؤيدين للرئيس المخلوع الذين أرادوا التهدئة طيلة الأسابيع الماضية، والذين استغلوا جماهيريتهم لترويج أكاذيب عن المتظاهرين. وقد وصلت هذه الأكاذيب إلى حد المطالبة بحرق الشباب أو القول بأنهم يمارسون الجنس ويتعاطون المخدرات في ميدان التحرير. وحتى الآن، لم يخرج أحد من هؤلاء للاعتذار إلّا شريف منير، وإن كان هذا الأخير لم يتورط أصلاً في نشر الأكاذيب. في الوقت نفسه، ساعدت «ثورة النيل» الأصوات المعارضة في نقابات الممثلين والسينمائيين والموسيقيين على التمرد ضد نقبائهم. هكذا قدّم نقيب الممثلين أشرف زكي استقالته باكراً، تجنباً لإقالته بالقوة، وخصوصاً أنه علم أنّ الأصوات الداعمة له داخل النقابة لن تتمكّن من إنقاذه هذه المرة بسبب مواقفه الداعمة للنظام بطريقة فاضحة. كذلك، يعتصم عشرات السينمائيين في مصر في مقرّ نقابتهم، ويمنعون النقيب مسعد فودة من الدخول مطالبين بإقالته والدعوة إلى انتخابات جديدة. وهو الأمر الذي يتكرّر في نقابة الموسيقيين مع منير الوسيمي، لكن بوتيرة أقل.
وفي الوقت الحالي، يأمل الجميع أن تُفتح ملفات الفساد في النقابات الثلاث في إطار إعادة النظر في عمل كل القطاعات الرسمية. وحتى رئيس جهاز السينما ممدوح الليثي ـــــ وهو أيضاً رئيس «اتحاد النقابات الفنية» ـــــ تعرّض للحصار من جانب موظفي الجهاز الذين طالبوا بإقالته بسبب سياساته غير العادلة إزاء الموظفين. ويراهن معظم النقباء حالياً على الوقت للخروج من الأزمة بأقل خسائر ممكنة. فيما يتبع المعارضون أسلوب «ضرب الحديد وهو ساخن» لضمان عدم استمرار هؤلاء في مناصبهم في مصر الجديدة، أي عندما يسلّم الجيش السلطة لرئيس منتخب خلال ستة أشهر. وهي فترة يراها المتظاهرون كافية لتطهير مصر من فساد عهد مبارك.