دمشق | قبل أكثر من عام، وتحديداً في 27 كانون الأول (ديسمبر) 2009، «اختطف» رجال أمن سوريون المدوّنة الشابة طل الملوحي، ثم سرعان ما عاد هؤلاء إلى منزلها وصادروا جهاز الكمبيوتر الخاص بها، لتختفي بعدها الشابة (19 عاماً) من دون أن يعرف أهلها مكان وجودها. مرّت أشهر طويلة قبل أن تخرج أخبارٌ جديدة تفيد بأنّ المدوّنة السورية قد توفيت في سجنها في مدينة دوما في ريف دمشق، بسبب عمليات التعذيب التي تعرّضت لها. وقتها، نفى والدها كل الشائعات، مؤكداً أن ابنته لا تزال على قيد الحياة وأنّه تكلّم معها على الهاتف. ثمّ انقطعت أخبارها مجدداً، لتعلن جهات حقوقية سورية، نقلاً عن مصادر أمنية، أنّ طل الملوحي متّهمة بالتجسس لمصلحة دولة أجنبية، وستخضع لمحاكمة قريبة. وهو ما حصل بالفعل، إذ صدر منذ أيام حكم بالسجن لمدة خمس سنوات على الشابة بتهمة «إفشاء معلومات لدولة أجنبية» هي الولايات المتحدة الأميركية. وقد صدر بيان أمس عن وزارة الخارجية السورية يؤكّد أن الملوحي كانت تعمل لحساب «وكالة الاستخبارات الأميركية». بعد صدور الحكم، رفضت الملوحي الإدلاء بأي تصريح، كما قال ناشطون حقوقيون سوريون. وقد أفاد عدد من المحامين الذين حضروا الجلسة بأنّ «القاضي لم يقدم أي دليل أو تفاصيل عن سبب الاتهام، ولم يحضر الجلسة أي ممثّل ادّعاء».
منذ اليوم الأوّل لاختفاء الملوحي توجّهت الأنظار إلى مدوّنتها الخاصة على الإنترنت. وكانت الشابة قد نشرت سلسلة من المقالات والقصائد التي طالبت فيها الرئيس السوري بشّار الأسد بوقف الفساد المستشري في القطاعات الرسمية، وتعزيز الديموقراطية في الحياة السياسية، مذكرةً إياه بالوعود التي قطعها للشعب لدى تسلّمه سدّة الرئاسة. هكذا عُدّت طل الملوحي سجينة رأي، ونشطت جمعيات سورية وعربية عدة مطالبةً بإطلاق سراحها. كذلك أقيم أكثر من لقاء تضامني معها، إلى جانب إنشاء أكثر من صفحة على موقع «فايسبوك» تعرض وقائع ما تعرّضت له هذه المدوّنة.
وفي ظلّ حملات التضامن هذه، اتهم إعلام النظام الفتاة بعقد لقاءات مع مسؤولين أميركيين أثناء إقامتها في القاهرة مع أهلها. حتى إن بعض الوسائل الأخرى ذهبت أبعد من ذلك حين اتهمت الملوحي بالمساعدة في التخطيط لاغتيال إحدى الشخصيات العسكرية السورية في مصر! إلى جانب الاتهام التقليدي وهو «الانتماء إلى جماعة أصولية» في مصر، مع التركيز على خلفية عائلتها الملتزمة دينياً.
رغم كل ما سبق، فشلت السلطات في تقديم تبرير مقنع لاعتقال شابة لم تبلغ العشرين بعد، بل أجرت محاكمة سرية لها، وأصدرت الحكم فجأة وبطريقة غير متوقّعة. وجاء القرار الأخير بعد أيام قليلة على رفع الحجب عن موقعَي «فايسبوك» و«يوتيوب». وهي الخطوة التي عدّها بعضهم فاتحة عصر الحريات في سوريا. إلا أن القرار القضائي ضدّ طل الملوحي جاء ليقلب كل الموازين، ويعيد الحال إلى ما كانت عليه قبل أسابيع: قمع، ورقابة، ورعب إلكتروني يلازم أغلب المدوّنين. إلا أن ذلك لم يمنع عدداً كبيراً من الناشطين الإلكترونيين من الاحتجاج على الحكم القضائي «الجائر والظالم». هكذا دعا عدد من الشباب إلى «جعل كل شوارع سوريا... ميدان التحرير حتى إسقاط النظام». ورأى بعضهم أنّه تجب إزاحة بشار الأسد والمحيطين به، لكي تنعم سوريا بحياة ديموقراطية، وحرية حقيقية. كذلك نشرت على مجموعات «فايسبوك» كل المقالات العربية والأجنبية التي تناولت الحكم الصادر ضدّ طل الملوحي. وطالب عدد من الناشطين بنشر هذه المقالات في البريد الإلكتروني «ليدرك الجميع ما يعانيه الشعب السوري». من جهة أخرى، وكما هي عادتها، سارعت الإدارة الأميركية إلى استغلال هذا الموضوع للترويج لصورتها كداعمة للديموقراطية وحقوق الإنسان في العالم العربي. أطلّت وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون لتعرب عن استياء إدارتها من الحكم الصادر بحق المدوّنة السورية. وقالت: «لا معنى لرفع الرقابة عن مواقع الإنترنت ما دام التعبير عن الرأي يؤدي بصاحبه إلى السجن». وتطرّقت إلى التناقض في موقف الحكومة السورية، فـ«بعدما رفعت الحظر عن استخدام موقعَي Facebook وYoutube في الأسبوع الماضي، ها هي تحكم على طل الملوحي، المدوّنة في سن المراهقة، بالسجن خمس سنوات بعد إدانتها بالتجسس، بسبب شعر سياسي نشرته على مدوّنتها على الإنترنت».
ولا شكّ في أن هذا التدخّل الأميركي قد يثير علامات استفهام عدة، وقد يشجّع إعلام النظام على تعزيز الاتهامات الموجهة إلى طل الملوحي، باعتبار أنّ التصريحات الأميركية هي الأولى من نوعها، رغم أن هناك عشرات المدوّنين والصحافيين الذين يُعتقلون في سوريا من دون أن نسمع أيّ ردّ فعل أميركي.