منذ وقعَ الهجوم العنيف لقوات الأمن البحرينية بقنابل الغاز ورصاص الـ«شوت غن» على المعتصمين النيام في دوّار اللؤلؤة فجر الخميس، وما وَرَدَ من أنباءٍ وصوَر لضحايا وجرحى بالمئات، من بينهم أطفال، واعتداء على طواقم الأطباء والمسعفين، وما وَرَدَ أيضاً من أنباء عن عدد المفقودين ووجود برّادات للجثث لا يُسمح لأحد بالاقتراب منها... منذ هذا الهجوم الذي سمّته المعارضة البحرينية «المجزرة»، و«الجزيرة» تتعامل مع الحدث بطريقة مريبة ومستهجَنَة. نشراتها تورد الحدث البحريني في المرتبة الثالثة، أو حتى الرابعة، بعد ليبيا واليمن ومصر، وتنمّ العبارات المستعمَلة في التقارير عن «حيادية» لا تليق بفضائية جيّشَت كلّ إمكانياتها لمتابعة بل لدفع الثورة المصرية، وقبلها التونسية. هكذا تتحدّث تقارير «الجزيرة» عن «مواجهات» جرَت فجر الخميس في دوّار اللؤلؤة، و«فضّ اعتصام» من قِبَل أجهزة الأمن، وعن سقوط «قتيلين»، في وقت تتحدّث فيه كلّ المصادر عن أعداد أكبر من الضحايا والجرحى. كذلك، لم تعرض «الجزيرة» (على حدّ علمنا) صوراً تفضح فظاعة ما حدث في المنامة، مثل صوَر الضحايا المقتولين برصاص الـ«شوت غن»، وصوَر القصف الفعلي لدوّار اللؤلؤة بقنابل الغاز. ولم تستقبل القناة على هوائها أصواتاً من المعارضة البحرينية، ولم تفتح هواءها لإفادات شهود العيان التي أوردت قنوات أخرى شهاداتهم المروّعة. كذلك لم تذكر القناة العمر المديد لبعض الحكام في البحرين، وهو الأمر الذي تردّده دوماً «الجزيرة» في معرض حديثها عن حكام آخرين.
يمكن القول إذاً إنّ تغطية «الجزيرة» لا تواكب فظاعة ما حدث ويحدث في البحرين. بل تتّخذ في لهجتها الإعلامية منحىً يسهم في التعتيم على ما جرى. ما هي الاعتبارات التي جعلت «الجزيرة» تتراجع عن دورها الإعلاميّ الذي كان رائداً في ثورتي تونس ومصر؟ نذكّر فقط بأنّه خلال ثورة مصر، قطعت «الجزيرة» كلّ برامجها لمواكبة الحدث مباشرةً على الهواء. لا شكّ في أنّ ما حدث في مصر جديرٌ بكلّ ذلك، لكن ألا يستحقّ الحدث البحريني بعض المواكبة المباشرة أيضاً؟ سؤال موجَّه إلى القيّمين على القناة التي لها ما لها من رصيد وتقدير لدى الشعوب العربية. لذا نرجو من «الجزيرة» عدم التفرقة بين شعب عربي ثائر وشعب عربي آخر يثور هو أيضاً من أجل الإصلاح أو التغيير في نظامه الحاكم. نرجو ذلك كي لا يُقال إنّ ثمّة إعلاماً رائداً، بات يُصنِّف ثورات هذه الشعوب وانتفاضاتها على أساس الألوان والأجناس والجغرافيات.

* أكاديمية ومترجمة لبنانيّة