القاهرة| من المفارقات أنّ الظهور الأول ـــــ بعد غياب عشرات السنين ـــــ لمحمد حسنين هيكل على التلفزيون المصري أول من أمس، واكبه قرار بإلغاء منصب وزير الإعلام للمرة الأولى منذ ثورة يوليو 1952. شغل هيكل المنصب ذاته تحت مسمّى «وزير الإرشاد القومي» عام 1970. مع ذلك، حُذف اسمه من قائمة وزراء الإعلام المصريين على موقع اتحاد الإذاعة والتلفزيون. على أي حال، «التطوير» الأخير الذي لحق بموقع اتحاد الإذاعة والتلفزيون قد محا كل القوائم
، مكتفياً بمعلومات عن باقات القنوات الرسمية المختلفة،و مع إلغاء المنصب الذي طالما عُد سيادياً، أصبح أنس الفقي آخر وزير إعلام في تاريخ مصر.
فوزارة الإعلام (الإرشاد القومي) سبقت ظهور التلفزيون المصري. تأسست سنة قيام ثورة يوليو، وتولّاها فتحي رضوان فاختار لها هذا الاسم الذي كان هيكل لا يحبّه. وتعاقب الوزراء على وزارة الإرشاد القومي حتى انطلق بثّ التلفزيون العربي المصري مساء السابعة من 21 (تموز) يوليو 1960، مع احتفالات العيد الثامن لثورة يوليو. وانطلق في الوقت نفسه بثّ التلفزيون العربي السوري، إذ كان البلدان ـــــ مصر وسوريا ـــــ ما زالا يعيشان مرحلة الوحدة القصيرة والحزينة.
وعندما انطلق البثّ التلفزيوني، كان ثروت عكاشة أول وزير ثقافة مصري، وكانت الوزارة التي تأسست عام 1958 تضم للمرة الأولى الثقافة مع الإرشاد القومي. لكن استمرار عكاشة في الوزارة توقف بعد شهرين على انطلاق البث التلفزيوني، وكان قد أمضى 3 سنوات في الوزارة، فخرج ليتولّى محله عبد القادر حاتم ابتداءً من أيلول (سبتمبر) 1960 ولمدة خمس سنوات. وقد عاد ثروت عكاشة مراراً لتولّي مناصب وزارية لكنها كانت بعيدة عن الإرشاد القومي.
وبوصفه الوزير الذي شهدت نهاية عهده انطلاق بث التلفزيون المصري، يعدّ عكاشة الأول في قائمة تضم 17 وزيراً تعاقبوا على وزارة الإعلام بمسمياتها المختلفة منذ انطلاق التلفزيون، وصولاً إلى المستقيل/ المقال أنس الفقي الذي لم ينجح في أن يعيد لوزارة الإعلام الحظوة التي كانت لها في عهد صفوت الشريف. ربما صعّب من مهمة الفقي انتشار الفضائيات ومصادر المعلومات، وضحالة القدرات الشخصية والسياسية للفقي نفسه. مع ذلك، فإنّ تفوّق الفضائيات الخاصة على تلفزيون الفقي، لم يبدُ ذا تأثير في مسألة استمرار وزارة الإعلام في العهد السابق، بصفته كياناً نفّذ للدولة مهمات سياسية، يمكن إدراكها بالاطلاع على القرار الجمهوري بتأسيس وزارة الإعلام المصرية عام 1986. في تلك السنة انتقلت الوزارة من وزارة دولة للإعلام إلى وزارة إعلام مستقلة وكاملة الأهلية. ويحفل قرار تأسيس الوزارة بفقرات مثل «توجيه أجهزة الإعلام لتبصير الشعب بمكاسبه والدفاع عنها»، و«مواجهة الدعايات المضادة»، وهي مهمات سياسية بالدرجة الأولى، بل أمنية. ليست مصادفة أنّ أمين هويدي ـــــ أحد الذين تولّوا منصب مدير الاستخبارات العامة ووزارة الحربية ـــــ قد تولّى أيضاً منصب وزير الإرشاد القومي. ولئن كان ثروت عكاشة الوزير الأول الذي شهد انطلاق البث التلفزيوني، فالتأثير الحقيقي ظل لأجهزة الراديو، قبل أن يصبح التلفزيون تدريجاً في كل بيت، مع نهاية السبعينيات. وهي الفترة التي تولّى فيها صفوت الشريف الوزارة قادماً من هيئة الاستعلامات. ولا شك في أنّ أكثر من عشرين سنة قضاها الشريف في مقعد وزير الإعلام لم تسمح له فقط بتوسيع مجال التلفزيون الحكومي، وتأسيس مشاريع القمر الصناعي المصري ومدينة الإنتاج الإعلامي وغيرها... بل أيضاً صاغ العديد من التعبيرات التي أصبحت جزءاً من الدعاية الإعلامية للنظام السياسي مثل «عصر السموات المفتوحة».
لكنّ مقعد وزارة الإعلام لم يكن مستقراً دائماً. وربما كان الوزير محمد فائق أشد من تضرروا منه. كان فائق قد عاد إلى مقعده الوزاري الذي تولاه بعد النكسة، وتركه لأشهر عندما أصدر الرئيس عبد الناصر مرسوماً سنة 1970 بتعيين محمد حسنين هيكل وزيراً للإرشاد القومي، على أن يحتفظ برئاسة تحرير «الأهرام».
تولّى هيكل المنصب على مضض، وتركه فور وفاة عبد الناصر في العام نفسه ليعود الكرسي إلى محمد فائق. لكن الأخير ما لبث أن استقال ضمن ما أطلق عليه السادات اسم مراكز القوى، واعتقله السادات ضمن من اعتقلهم في «ثورة التصحيح»، ليصدر ضد فائق حكم بالسجن عشر سنوات، أمضاها كاملة، رافضاً عرضاً بالخروج في نصف المدة شرط تقديم اعتذار. بالطبع، لا يمكن القول إن إلغاء وزارة الإعلام ـــــ لو استمر ـــــ سيعني نهاية التوجيه والإرشاد الإعلاميين من الدولة. مبنى «ماسبيرو» الهائل سيظل رابضاً يؤدي دوره، والتغيير الحقيقي هو ما يتعلق بالدور لا بالمبنى.