في «نساء في الحرب»، يُراهن جواد الأسدي على صراعات متعدّدة توفّر للعرض إيقاعاً متوتراً. الإيقاع جزء من لعبة الأسدي ونبرته القائمة على استدراج عنف الممثل ومزجه بعنف النص. في عرضه الذي يفتتح اليوم مهرجان «نساء في مجتمعات مهدّدة»، ثلاث عراقيات عالقات في معسكر للاجئين في ألمانيا، بانتظار أن يبتّ المحققون أوضاعهن. الحرب قذفت بهنّ خارج طمأنينتهن الأولى، وعليهن أن يستعدن أمامنا حكايات الحرب والاحتلال والمنفى والأحلام التي انتهت إلى كوابيس. النساء الثلاث قادمات من خلفيات مختلفة: أمينة (ميراي معلوف) الممثلة المخضرمة التي تبحث عن فضاء آخر بعد اقتحام الجنود الأميركيين لأحد عروضها واعتدائهم على الممثلين والجمهور. مريم (ندى حمصي) الهاربة من مدينة الحلّة بعد اعتداء الجنود على عائلتها وموت والدها. وريحانة (ريتا دكاش) الأصغر سناً والمتكتمة في سرد حكايتها الخاصة. هناك صراع يدور داخل كل امرأة بمفردها، وصراع آخر بين النساء الثلاث، وصراع ثالث بينهن وبين العالم الخارجي. مريم متديّنة وترى أن مهنة أمينة بما هي ممثلة تجعلها نصف غانية، بينما تتشاجر ريحانة مع مريم بسبب صوتها العالي أثناء الصلاة وتلاوة القرآن، وتعيّرها بعلاقتها مع لاجئ بوسنيّ. تتصاعد الأحداث بتثاقل وقسوة تحت إضاءة شبحية تمنح العرض وحشةً إضافية. تتذكّر أمينة زوجها وانفصالهما بعد موت ابنهما الوحيد. تتلقّى مريم خبر موت شقيقها وإصابتها بسرطان الثدي. الذكريات المؤلمة تختلط مع لحظات التحقيق والاستماع إلى الإفادات. الآلام المتواصلة تُنسي النساء الثلاث ذواتهن، وتصنع نوعاً من البهجة العابرة لقلق المنفى المقبل ورعب الماضي. تحتفل ريحانة بعيد ميلادها، وتستعيد أمينة مشهداً لها في مسرحية «روميو وجولييت». خبر رفض طلب لجوء مريم وريحانة يُوقف كل ذلك. تغادران المكان، بينما تشرع الإضاءة بالأفول عن جسد أمينة المستسلمة لوحدتها المتفاقمة. كما في أغلب أعماله، يستفزّ الأسدي ممثلاته لاستدعاء أقصى ما لديهن من حواسّ أدائية. الأجساد متوثّبة، والحوارات منطوقة بنبرات جارحة، بينما تتكفّل السيَر الشخصية للنساء الثلاث توفير مناخات القلق والتوجس والانتظار. في المقابل، هناك استجابات متفاوتة في التمثيل. المناخ العام لا يخفي عنّا الأداء اللافت لندى حمصي، مقارنة بأداء مؤسلب وحرفي يعتمد على الإمكانات الصوتية والجسدية الجاهزة لدى ميراي معلوف، بينما يبدو أداء الشابة ريتا دكاش ـــــ رغم اجتهادها ـــــ أقل من زميلتيها المخضرمتين.
أخيراً، بقي أن نشير إلى بعض المكوّنات التي تتكرّر في أعمال صاحب «الاغتصاب». بات ضرورياً التفكير في بدائل من الإفراط في الصراخ، أو بعثرة أجزاء من السينوغرافيا من دون تبريرات مقنعة.

«نساء في الحرب»: 8:30 مساء اليوم وغداً ــ «مسرح بابل» (الحمراء ـــ بيروت)