القاهرة | بعد يوم على استخدامها عبارة «انتفاضة الجماهيرية»، غيّرت «العربية» التسمية إلى «ثورة ليبيا». يبدو ذلك تغييراً كبيراً من المحطة السعودية، ليس تجاه تعاملها مع القذافي، فالخلافات معروفة بين قائدَي ليبيا والمملكة، بل تجاه القاموس الذي تستقي منه المحطة لغتها الإخبارية.في اجتماع «مجموعة العشرين» الاقتصادية، منعت السعودية والصين بقية الدول المشاركة ــــ ومعظمها غربي ــــ من توجيه التحية إلى النضال الديموقراطي في مصر وتونس. واكتفى بيان المجموعة وقتذاك بإعلان استعداد الدول المذكورة لتقديم الدعم الاقتصادي إلى البلدين. لم يتحدّث هذا البيان عن أي «ثورة». مع ذلك، وقفت له السعودية بالمرصاد. لكنها الآن، وقد عوّضت، تقريباً، من خلال «العربية» دور «الجزيرة» (المشوّش عليها) تجاه الحدث الليبي، تبدو عند مفترق طرق: الحدث لم ولن يتوقف عن الانتشار في باقي العالم العربي. وهي تضع نفسها ـــ المحطة والمملكة ـــ عند التزام بأن لا تغلق قاموسها المستحدث إزاء بقية الانتفاضات العربية، ويبدو أن ذلك لن يكون سهلاً.
لا تزال «العربية» تستخدم عبارة «مصر بعد مبارك» عنواناً لتغطية الحدث المصري. ربما وجدت في العنوان حلاً توفيقياً وموضوعياً للّغة. الموضوعية هنا بمعنى عدم التورّط في إطلاق الحكم على ما جرى في مصر. وعلى عكس وضوح المجزرة الليبية التي قضت على شرعية القذافي مهما كانت التطورات اللاحقة، يبدو الصراع المصري الداخلي الآن محتدماً بين أطراف لا تزال كل منها تمتلك الكثير من أوراق القوة والسياسة. الشعب والجيش وبقايا النظام السابق يمارسون رقصة خطرة فوق أرض ملغومة.
موقف «العربية» هنا قد يكون مبرَّراً للمرة الأولى في تمايز واضح عن موقفها المنحاز إلى نظام مبارك طوال الثورة؛ إذ أطلقت على الأحداث المصرية في بداياتها عنوان «مصر... الأزمة»، قبل أن يتحرك العنوان قليلاً مع اتضاح إصرار الثوار إلى «مصر... التغيير».
كل ما قيّد تغطيات «العربية» وعناوينها، كان هو نفسه الذي أطلق العنان لـ«الجزيرة». الدولة القطرية الصغيرة تحررت دوماً من تبعات المحاور. أحداث مصر وتونس وليبيا بدت فرصة لهذه المحطة كي تؤكد اتساقها مع نفسها، فساندت الثوار من دون أن تتوقع امتداد التأثير إلى البحرين. هنا أصيبت بأول ارتباك في تاريخها الإعلامي. مع ذلك، فمساندتها غير المشروطة لثورتَي تونس ومصر حررتها من الحاجة إلى إثبات أنها مع الشعب الليبي، فوضعت عنوان «ليبيا... انهيار جدار الصمت».
وبعدما قدّمت نفسها ذراعاً إعلامية لثورة تونس، واستحقت تسميتها «قناة الثورة المصرية» أثناء إطاحة مبارك، أمكنها أن تعود ـــ في تغطيتها لليبيا واليمن ـــ إلى عناوين مبتكرة لا تتوجس من أي اتهامات، على عكس «العربية» التي تقف مبدئياً ضدّ الثوار في أي شارع عربي.
من «ثورة شعب» إلى «الشعب ينتصر» في مصر وتونس إلى انتفاضة الليبيين، تبدو العناوين التلفزيونية موضوع جدل ونقاش لدى علماء الاجتماع والسياسة الذين يفضلون غالباً التمهل، ومنح التاريخ فرصته قبل إطلاق تسمية «الثورة» على ما يجري. ويطرح ذلك سؤالاً حديثاً من نوعه، عما إذا كان للثورة توصيف إعلامي يضاف إلى التوصيفَين الاجتماعي والسياسي، ثمّ الحكم التاريخي؛ إذ إنّ التاريخ هو علم دراسة الماضي. أما الميديا فهي فن إطلاق الأسماء. التاريخ ينتظر، الميديا لا يمكنها الانتظار.