ماذا يجري في «الديار»؟ عملية صرف طاولت أبرز الكتّاب، وتقشّف ماليّ كبير، و... شارل أيوب غائب عن السمع. طبعاً لم تكن يوماً الأزمة المالية التي تعانيها الصحيفة اللبنانية خافية على أحد. بل إن رئيس تحريرها جاهر دوماً بها في مقابلاته التلفزيونية. إلا أنّ ما شهدته مكاتب «الديار» مطلع الأسبوع الحالي، طرح علامات استفهام عدّة عن إمكان استمرار صدورها. يوم الثلاثاء الماضي، استدعى أحد العاملين في مكتب شارل أيوب أكثر من خمسين موظّفاً لإبلاغهم شفهياً الاستغناء عن خدماتهم. كلمات قليلة إذاً، كانت كافية لصرف مجموعة كبيرة من الإداريين والكتّاب الذين رافقوا أيوب في تأسيس الصحيفة. ومن أبرز هؤلاء: فؤاد أبو زيد، طوني عيسى، مارون ضاهر، محمد باقر شرّي، نزار عبد القادر، وجدي العريضي، أسعد بشارة، حسن سلامة، عايدة أبو هنا، وذو الفقار قبيسي... إلى جانب عدد كبير من المندوبين في المناطق. وأتت هذه الخطوة بعد أشهر من إرساء أيوب لسياسة تقشفية «غير منطقية» على حد تعبير أحد العاملين في الصحيفة. طالت هذه السياسة نوعية الورق المعتمدة في الطبع، ومصاريف الكهرباء والهواتف، والتنقلات... وبلغ الأمر حدّ إلغاء الاشتراك في وكالات الأنباء العالمية، وقطع الإنترنت عن أغلب الأجهزة «ما عدا ثلاثة أو أربعة أجهزة كمبيوتر». رغم كل ما سبق، ظل عجز الصحيفة كبيراً. هكذا صدر القرار الذي عدّه بعضهم «انتحارياً» بالاستغناء عن خدمات أكثر من نصف العاملين في المؤسسة.وبسرعة، ظهر تأثير هذه الخطوة على أعداد الصحيفة. يمكن ملاحظة أن العدَدين الأخيرَين كانا خاليَين من أي تحليل سياسي، أو من الأخبار الخاصة. «بغض النظر عن كل الانتقادات التي واجهت الصحيفة خلال مسيرتها، إلا أن كتابها استطاعوا جذب القارئ في كل المراحل» يقول أحد الصحافيين المصروفين. ويضيف أنه يبحث مع مجموعة من زملائه إمكان رفع دعوى قضائية على المؤسسة واللجوء إلى نقابة المحررين للحصول على التعويضات اللازمة التي لم يتطرّق إليها أحد «عندما أخبرونا بصرفنا». واللافت أنّ هؤلاء الموظفين لم يتمكّنوا من الاتصال بشارل أيوب الذي ظلّ خارج السمع، منذ صدور قرار الصرف «هو يشعر بالخجل من الخطوة التي قام بها. لم يتمكّن حتى من إبلاغنا بهذا القرار شخصياً».
وفيما يرى كثيرون أنّ «الديار» استطاعت تخطّي أزمات مالية عدة، فإن الوضع الحالي يبدو مختلفاً، بسبب شحّ التمويل السياسي للجريدة، «وعملية صرف هؤلاء الموظفين قد تكون طريقة يلفت فيها أيوب نظر المهتمّين إلى إعادة ضخّ أموالهم في المؤسسة» يقول مصدر مطّلع على مسيرة الصحيفة.
وعند الحديث عن «الديار»، يبدو الفصل مستحيلاً بين عمل المؤسسة، ورئيس مجلس إدارتها وتحريرها شارل أيوب. وهو ما يجمع عليه كل العاملين فيها. وقد أدّى ذلك إلى غياب أي سياسة واضحة تسيّر عمل الجريدة «بل إن كل القرارات ترتبط بمزاج أيوب» يقول أحد العاملين في المطبوعة. حتى إن بعضهم يؤكّد أن الأزمة الحقيقية تقف خلفها مصاريف الرجل الشخصية «التي تحدّث عنها في أكثر مقابلة».
اليوم، يبدو الوضع في الصحيفة غير مستقرّ، والأجواء داخلها مشحونة ومتوتّرة. فريق العمل الصغير لم يعد كافياً لإصدار أعداد جديدة، كذلك فإن غياب وكالات الأنباء العالمية يجعل عمل قسم «العربي والدولي» شبه مستحيل. وهنا لا بدّ من الإشارة إلى أن أيوب اختار بقاء محررَين فقط في هذا القسم، ومصوّر، ومصمم، وصحافي في قسم الاقتصاد، وآخر في قسم المحليات. بل أكثر من ذلك، فقد تم خفض مرتبات هؤلاء بنسبة 5 في المئة.
حتى الساعة، لا تزال الصورة النهائية غير واضحة، وإن كان بعض المصروفين يؤكدون أن الاتصالات جارية مع إدارة الجريدة للبحث عن حلول ممكنة مثل كتابة مقالات أسبوعية في محاولة أخيرة لإنقاذ المؤسسة. وفي حال عدم التوصّل إلى نتيجة، يؤكّد هؤلاء أنهم يريدون تبليغاً مكتوباً بصرفهم «لأن إبلاغنا شفهياً هو مجرّد محاولة للالتفاف على القانون كي لا نتمكّن من تحصيل حقوقنا في القضاء». وفي انتظار تبلور المشهد، ينتظر المصروفون أن يعيد أيوب حساباته «ويعترف لمرة واحدة بأنه كان شخصياً السبب في تدمير الصحيفة التي بنيناها معاً».