على الغلاف شابّان لا يمكن تحديد ملامحهما. أحدهما يحمل رشاش «كلَشْ» في وضعية ترقّب غير قتالية، والآخر يجلس بقربه في الطبيعة الجردية القاسية. إنه ألبوم فرقة «طفّار» الذي يُقرَأ من عنوانه: «صْحاب الأرض» (أصحاب الأرض). بعد أشهر من صدور باكورتها التي تلتها إطلالات حيّة عدة، تضرب الفرقة موعداً لجمهورها في مسرح «دوار الشمس» ضمن تظاهرة «50 يوماً/ 50 سنة». تنبغي الإشارة إلى أنّ أسطوانة «صحاب الأرض» لم توزّع رسميّاً، إذا صحّ التعبير، إذ يصعب توزيعها عبر قنوات كلاسيكية، مثل الشركات المحلية أو العربية المختصّة. محتوى العمل لا يناسب سياسة أي جهة، لأن الصراحة كما الوعي والعفوية، إضافةً إلى الصدق الذي تتميّز به نصوص الفرقة، لا يحتملها الناشرون المتاحون.
ومع ذلك، فقد باتت أغنيات الفرقة ذائعة الصيت. انتشرت في مختلف الأوساط الشبابيّة التي ما إن سمعت إحداها حتى راحت تبحث عن المزيد. من «فرص عمل» و«نشيد الطفّار» و«مدينة الشهدا» إلى «من الشرقي للجرد» و«حبْر عَورَق» وبالأخصّ «الوسخ التجاري» (التي تسلّط إصبع الاتهام على «سوليدير») وغيرها.
يروي الشابان المعروفان بأسماء «شبه مستعارة» ــــ جعفر وناصر الدين ــــ قصة بقعة جغرافية همّشتها الدولة دائماً وغالباً. عضوا الفرقة اللذان جاءا من بعلبك/ الهرمل إلى الراب، لم يتناولا أوهاماً. كما لم يلجآ إلى الصور الشعرية أو إلى أي تضامن مع أحد. بشفافية قاتلة، لا يرويان ما شاهداه مذ تكوّن وعيهما فحسب، بل ما عاشاه، وما زالا يعيشانه وأهلهم من هدر للحقوق وتعدٍّ من الدولة على منطقتهم... تحت غطاء القانون.
في تجربتهما وفاء إلى روح الـ RAP وانسجاماً عضويّاً معها. فالمعروف أن ذلك المنحى الغنائي الذي اقترن لدى ولادته بهدف أساسي هو إيصال رسائل «لمن يهمه الأمر» عن معاناة معيشيّة، تخصّ بصورة مباشرة صاحب الأغنية، لكنّه انحرف تدريجاً عن هذا المسار، فبات وسيلة للإثراء السريع، أو التحاقاً فنياً بنَفَس العصر، أو غير ذلك.
في لبنان، تطوّرت صناعة الراب كثيراً. فقاربت لناحية بناء الموسيقى/ النص والتنفيذ أعلى المستويات. لكنها، شأنها شأن هذا التيار في الغرب، فقدت حجّة وجودها عموماً. قلة هي الفرق التي ملكت الحد الأدنى من الصدقية لدى تناول المعاناة التي تتكلم عنها. وقد أعادتنا تجربة «طفّار» فعلاً، وبعض التجارب المشابهة الأخرى، إلى أصول الراب، كعمل يُبنى أولاً وأخيراً على الكلمة الحيّة، وما الموسيقى سوى مادة تساعد النص في نيل مبتغاه.
نصوص الفرقة صوتها الحقيقي، ومعاناتها اليومية، ووعيها السياسي والاجتماعي وسلاحها الأول... وما قبل الأخير! لذا تفرض الكلمات نفسها عموداً فقرياً لـ«صحاب الأرض»، وكذلك أداء جعفر وناصر الدين، بغضّ النظر عن العمل المتقن أساساً في الجوانب الأخرى. فالشابان، وإن عملا في هذه المهنة، لا يفضلان بالتأكيد الراب على العتابا. خيارهما لهذا النمط الفني يأتي من باب الواقعية. عملياً، ما يودّان قوله لن يصل إلى الجيل الجديد في أبيات عتابا، وإن لم يقاوما إدراج بعضها في الألبوم. فأهل بعلبك/ الهرمل هم أرباب هذا اللون الشعبي، ولا يكتمل أي موقف أو مناسبة أو تجربة فنية من دون عتابا... لحسن الحظ.
أحسن «مهرجان شمس» هذا العام باستضافة الـ«طفّار». هذه الفرقة تقف على حدة في حياتنا الثقافية، وتمثّل مشروعاً شبابياً بديلاً، يجمع بين الفنّ والسياسة ومشاغل الحياة اليوميّة لجيل ما بعد الخيبة.


20 و21 آذار (مارس) الحالي ـــــ الحفلة الأخيرة ضمن برنامج ينطلق عند السابعة مساءً.