«يوم قيامة مصر» هكذا وصفه السيناريست وائل حمدي على صفحته على «فايسبوك». فقد كان السبت الماضي يوماً تاريخياً جديداً في حياة المصريين بعد «ثورة 25 يناير». ولم يبالغ بعضهم حين قالوا إنّ هذا اليوم يُعدّ البداية الحقيقية للثورة التي لا يمكن أن تبدأ بالتعمير قبل التطهير. وقد بدأ التطهير فعلاً عندما انتشرت أخبار عن حرق ضباط مباحث أمن الدولة في محافظة الإسكندرية وثائق سرية بعد رحيل حكومة أحمد شفيق. عندها، حاصر المتظاهرون مبنى مباحث أمن الدولة في الإسكندرية واقتحموه. وتكرّر الأمر في مبان أخرى أبرزها في حي مدينة نصر في القاهرة أو «عاصمة جهنم» كما يُطلق عليه. ورغم عمليات حرق عشرات آلاف الوثائق يومي الجمعة والسبت، فإن ما حصل عليه المتظاهرون ونشروه على «فايسبوك» وسلموه لاحقاً للجيش، يؤكد أنّ مصر كانت تعيش في مسرحية كبيرة، وأنّ هناك العديد من الأسماء التي سيُصدم بها الجمهور في الأيام القليلة المقبلة. والكلام هنا تحديداً عن الوثائق التي خرجت من إدارة «الفكر والإعلام» في مباحث أمن الدولة. مثلاً، هناك وثيقة تؤكد أنّ الإعلامي عمرو الليثي اعتذر لمؤسس حزب «الغد» أيمن نور عن عدم استضافته في برنامج «واحد من الناس» على قناة «دريم» بسبب العلاقة الطيّبة التي تجمع الليثي وجهاز أمن الدولة. علماً بأنّ نور هو من المغضوب عليهم سياسياً وإعلامياً. وثيقة أخرى تؤكد تلقّي وزير الإعلام السابق أنس الفقي تعليمات بتوجيه العديد من الصحف الحكومية والخاصة للهجوم على الرئيس الأسبق لحزب «الوفد» نعمان جمعة لأنّه هاجم جمال مبارك في حديث تلفزيوني. وفي الوثيقة نفسها، طولب الفقي بتوجيه موظفي التلفزيون لدعم مرشح الحزب الوطني في دائرة قصر النيل خلال الانتخابات النيابية. وخيّم الفقي أيضاً على وثيقة أخرى تؤكد أنّه طلب من رئيس حزب «الوفد» وقناة «الحياة» السيد البدوي عدم استكمال التعاقد مع الإعلامي محمود سعد. وتشير الوثيقة إلى أنّ السيد البدوي وافق حتى يحصل على تصريح بإطلاق قنوات أخرى تتبع الشبكة التلفزيونية نفسها. وورد اسم محمود سعد في وثيقة أخرى حين تعرّضت قناة «أزهري» لضغوط بغية إبعاده عن إدارتها بسبب حرصه على استضافة الداعية عمرو خالد في حلقة تلفزيونية عام 2009. وهي الحلقة التي لم تُصوَّر بالطبع. وكان رجل الأعمال نجيب ساويرس قال على قناة «أون. تي. في» إنّ أمن الدولة كان يتصل به لمنع استضافة أي شخصية إخوانية فور علمهم بوجود نية لذلك. كذلك انتشرت وثيقة تؤكد إخضاع محمد البرادعي وجميع أفراد أسرته للمراقبة والتنصّت على هواتفهم حتى قبل أن يغادر موقعه في وكالة الطاقة الذرية. وانتشرت على «فايسبوك» صفحات تجمع ما سُرّب من وثائق وفيديوهات من داخل المباني التي حرّرها المصريون، لكن الفيديو الأكثر انتشاراً كان لغرفة وزير الداخلية السابق حبيب العادلي في مبنى أمن الدولة في مدينة نصر. إذ تميزت الغرفة بالفخامة الشديدة واحتوائها على ملابس نسائية. كذلك، أبرزت «أون. تي. في» مقطع فيديو يظهر صاعقاً كهربائياً على شكل هاتف خلوي كان يُستخدم للتعذيب داخل أمن الدولة، فيما قال الكاتب المعروف بلال فضل إنّه حصل من بعض المتظاهرين على نحو 50 وثيقة تظهر حجم سيطرة هذا الجهاز على مجريات الأمور في مصر، إلى درجة أنّه كان يتنصت على هاتف خلوي لطالب يبلغ 22 عاماً لمجرد أنّه شارك في تظاهرات احتجاجية سابقة. وأكّدت وثائق أخرى أن ّهذا الجهاز كان يتدخل لقطع الإنترنت في ساعات معيّنة عن الناشطين السياسيين الذين كان يصفهم بالعناصر الإثارية، وهم يراوحون بين «الإخواني» و«الشيوعي» و«الاشتراكي» وكل من يعارض سياسات حسني مبارك. كذلك أظهرت وثيقة أخرى حصول رئيس تحرير جريدة يومية خاصة ذائعة الصيت على شقة فندقية من رجل الأعمال هشام طلعت مصطفى بنصف ثمنها في إطار وقف هجوم الجريدة عليه في قضية مقتل سوزان تميم. وعُثر أيضاً على صور لمسلسل «الجماعة» الذي يروي سيرة مؤسس الإخوان المسلمين حسن البنا، لكن لم يُعرف ما إذا كان ذلك يندرج في إطار مراقبة أمن الدولة للمسلسل أو أنتج بالتنسيق مع الجهاز الأمني المرعب كما ذكر معارضو المسلسل لدى بثه في رمضان الماضي. وحتى عمرو موسى المرشح الأبرز في انتخابات الرئاسة المصرية المقبلة، لم ينجُ من فخ الوثائق. إذ أظهرت وثيقة حديثة أنّه جرى الاتصال به لمحاولة تهدئة المتظاهرين في ميدان التحرير استغلالاً لشعبيته الكبيرة بين المصريين، وهي الشعبية التي باتت على المحك في المرحلة المقبلة.


«الأهرام» تعتذر

لم تعد الصحف الحكومية قادرة على تفادي موجات الغضب ضدها. تلك الصحف التي كانت تناصر بقايا نظام مبارك، مضطرة اليوم إلى الخضوع لطوفان الثورة. وهو ما أكدته جريدة «الأهرام» أول من أمس السبت عندما نشرت اعتذاراً غير مسبوق عن خبر يفيد بأنّ الدخان المتصاعد من مبنى أمن الدولة في مدينة نصر سببه مخلفات «قمامة» لا وثائق يحاول ضباط الجهاز إحراقها، مما سبّب هجوماً عنيفاً عليها من القراء. عندها، نشرت الصحيفة اعتذاراً صريحاً بعدما كان المعتاد في الحالات السابقة نشر الخبر الدقيق مع تجاهل ما نشر قبلاً من أخبار فاسدة تهدف إلى تضليل الرأي العام.