في كتابة سابقة تحدّثتُ عن ارتطامي الأوّل بتخوم الرّبع الخالي، عن البدوية سالمة، التي عرفتني بعد خمس عشرة سنةً من غياب...وكذلك عن مكثي ثلاثة أيام (مدة ضيافة البدويّ قبل السؤال عن الغرض) في مخيّم «ألف ليلة».
والحقُّ أنني لم أتحدّثْ عن المخيّم نفسِه.
ربّما أدباً أو رغبةً في وقت ما أصلح للحديث.
ربّما لأستعيدَ انطباعاً هارباً.
أو لأنني فضّلتُ أن أكون خارجَ عُمان كي أغدو أكثرَ سلاسةً وحريّةً في الكلام.

■ ■ ■

عندما أشرفْنا على دخول المخيّم، شعرتُ برجفة خفيفة. رجفة من انطباع ذكّرني بمعسكر اعتقال نازيّ رأيتُه
في أوشويتز البولنديّة.

لِمَ كان ذلك؟
هناك المنزلان العاليان: الكابو كومّاندر الألمانيّ يشرفُ من عَل على المعتقَل.
الخيامُ مصطفّةٌ مثل ردهات المعتقل الألمانيّ.
المأكلُ مثل مطابخ الجنود والأسـرى.
عليك أن تأخذ دوراً كجنديّ أو سجين.
وهناك خدمٌ آسيويّون، مثل أرقّاء الجيش الألمانيّ وأسراه يخدمون الطاعمين.
مثل السجن الألمانيّ.
وفي المساء يأتي البدو بالطبل والنساء المستضعفات، مرفِّهين عن الأسرى الذين لا يعلمون أنهم أسرى.
لا شراب في المكان...

■ ■ ■

أحياناً أتخيّلُ أنني سوف ألقى دراكولا.
ولربما شربتُ معه كأساً مهرّبةً إلى هذا المعتقل.

■ ■ ■

بعد ثلاثة أيّام (مدّة ضيافة البدويّ) تركتُ مخيّم «ألف ليلة» هارباً، وقد مُلِئتُ رعباً.
خلّفتُ في اندفاعتي الكابوسية، جوان، التي جاءت معي.
هل تركتُها مع دراكولا؟
ربما.
لأنني بعدما رأيتُها في مَسقَط، كانت كائناً آخر.
حمداً لله.
لقد نجوتُ بنفسي.
(لندن، ٦/ ٣/ ٢٠١١)
* شاعر عراقي