لم تسأم عدسة المخرجة كارول منصور نبش مكامن الظلم اللاحق بالمرأة. بعد اهتمامها بوضع العاملات الأجنبيات في المنازل اللبنانية في Maid in Lebanon بجزءيه (2005 و2008)، ها هي تتفرّغ في «كلنا للوطن»، لرصد معاناة المرأة اللبنانية المتزوجة من أجنبي مع قانون الجنسية الجدير بالقرون الوسطى... عرض الوثائقي أخيراً في «مسرح بابل» لمناسبة «يوم المرأة العالمي»، في جزء من حملة «جنسيتي» التي أطلقتها «مجموعة الأبحاث والتدريب للعمل التنموي» (CRTDA). ترصد كارول عن كثب المظالم التي تتحمّلها عائلات، عابرة للطبقات والطوائف، نتيجة القانون الذي لا يسمح لامرأة لبنانية متزوجة من أجنبي أن تمنح جنسيتها لأولادها وزوجها. خمس عائلات تمثّل خمسة أوجه للمعاناة: زينب مكتومة القيد لأن سنوات الحرب والمرض منعت والدها المصري من تسجيلها حتى في سفارة بلاده في لبنان. رامي (13 سنة) يعجز عن تمالك نفسه أمام الكاميرا وهو يتحدث عن مأزقه: الأمن العام اللبناني رفض تجديد إقامة الوالد المصري لسبب غير معلن. مارك ميتالا خرج خالي الوفاض من ميدان سباق الخيل حيث ربح بطولة لبنان في الفروسية، لأنّ جنسية والده الإنكليزية منعته من الحصول على الكأس. «المهم أنني كنت بطلاً بنظر والدتي»، يقول ابن الثلاثة عشر عاماً.
لميا قصدت كندا للدراسة، وبقيت هناك مع استمرار الحرب. تزوجت كندياً. تطلقت. ابنتها ليلى تعشق المناقيش والكبة النيّة، «لو كان القانون يحميني ويمنحها جنسيتي، لكنت انتقلت بها منذ خمس سنوات إلى لبنان» تقول لميا. لسليمان سليم أرزة باسمه في بلاد الأرز، منذ أن غرس كل بطل لبناني في مجال سباق السيارات شجرة باسمه بناءً على دعوة نادي ATCL عام ١٩٩٨، وليس له منه هوية حتى الآن. يتساءل من دون أن يحصل على جواب شاف: لمَ يملك لاعب كرة السلة الأميركي جو فوغل الجنسية اللبنانية ولا يملكها هو؟ لمَ تُمنَح للوليد بن طلال ولا تمنح لجميع الأبناء من أمّ لبنانية وأب أجنبي؟
لكلّ فرد في الأسر المذكورة نصيبه من المعاناة. «كلّهم غرباء وأجانب في وطنهم» تقول منصور. إضافةً إلى اختيارها حالات معبّرة وقوية، نجحت صاحبة «جئت من مكان جميل» في تحويل المأساة إلى قصيدة عبر لقطات إخراجية مؤثّرة، وتفادت الوقوع في فخ البكائية، مستعيضة عنها بحسّ ساخر وطريف. هكذا، ظلّلت الفواصل المشهدية بين عائلة وأخرى بمعلومات قانونية معقّدة، آثرت المخرجة كتابتها على الشاشة بغية تبسيطها، بينما وقف أفراد العائلة يلوّحون بالعلم اللبناني على وقع نشيد تغيرت تنويعاته كل مرة (غيتار، هارمونيكا، بيت بوكس، أوركسترا...) بدأ جذلاً وانتهى منكسراً حزيناً على مشهد بحر بيروت المفتوح.