يمكن وصف موقف المثقفين الخليجيين حيال ما يحدث في البحرين بالمخيّب. ومع أن بعضهم انحاز لمبدأ الحرية ورفض القمع والمجازر التي ترتكب بحق أبناء البحرين، إلا أنّ شريحة واسعة لم تفعل ذلك بطريقة أو بأخرى، وآثرت إما دعم الآلة القمعية، أو الصمت والتفرج على سفك الدماء. الحديث هنا عن أربعة أصناف من المثقفين الخليجيين بحسب مواقفهم تجاه الأزمة. وهذه الأصناف ليست منفصلة بعضها عن بعض بالضرورة. فقد تتقاطع بعض الحسابات. والمحصلة غياب الموقف المندد بالجرائم التي ترتكب في البحرين ضد الإنسانية.
الصنف الأول يمثله مثقفو السلطة وأبواقها. وهؤلاء لديهم خطاب مفهوم واضح يرتكز على دعم العمل الأمني والعسكري بحق العزّل بحجة مواجهة «المد الفارسي» و«الأطماع الصفوية». يمارسون بهذا وظيفتهم في التعبئة التضليلية، ولا يجدون غضاضة في وصف الحركة الشعبية ومن فيها بالعمالة لإيران، مصوِّرين مطالب الحرية والكرامة والملكية الدستورية على أنها خطة إيرانية للسيطرة على الخليج. هذا الصنف لا يتوقع منه انحياز لمبدأ إنساني... فالإنسانية ضاعت عند تسليم القلم للأجندة السياسية.
الصنف الثاني هو مجموعة المثقفين من أصحاب النفَس الطائفي. هؤلاء في معظمهم من ذوي الميول الإسلاموية، يختلفون عن أصحاب الفكر الوهابي الإقصائي في محاولتهم الظهور بمظهر الاعتدال. لكنهم ينكشفون في أوقات الأزمات، ويبدأ النفس الطائفي في التسلل من ثنايا خطابهم حتى تزكم رائحته الأنوف.
قد تشاركهم في ذلك مجموعة من ليبراليي السلطة وعلمانييها الذين لا يعرفون من الليبرالية أكثر من نقد «المطوع»، وتحريض السلطة عليه. يتفنون في الحديث عن الشيعة والسنة ويربطون ما يحصل بإيران وأطماع العمائم السوداء الصفوية، لكنهم يحفظون «الود» بجملة تَحَفُّظ تُحذِّر «الإخوة» الشيعة في الخليج من الانسياق وراء المخططات الصفوية. في المحصلة، يذهب الطرفان إلى تصوير الشيعة الخليجيين كجاليات إيرانية و«طابور خامس». وبالتالي، فالقمع والقتل هنا لهما، ما يبررهما من منظور ديني أو وطني.
الصنف الثالث يمثله أصحاب التحفظات الأيديولوجية، وهم من يؤمنون بمفاهيم علمانية، ويعيشون تحت عبء هاجس وصول الجماعات الدينية إلى السلطة عن طريق صندوق الاقتراع سابقاً، والثورات الشعبية حالياً. لذا، يقدمون التحفظ الأيديولوجي على الانحياز المبدئي للحريات والخيار الديمقراطي. هكذا يترددون في تأييد ثورة مصر خوفاً من تمكين الإخوان. وفي البحرين يخشون جماعة «ولاية الفقيه»، فيؤثرون الصمت أحياناً، والتنديد بتلك الجماعة أحياناً أخرى. هذا الصنف من المثقفين يعشق الديموقراطية حين توافق مزاجه الفكري والشخصي، ويرفضها حين تأتي بخصومه. وهو هنا لا يمارس انتقائية فكرية فحسب، بل يزيد عليها تعالياً نخبوياً على المزاج الشعبي وخيارات الناس. فيما نرى المطالب بدولة مدنية في التظاهرات تعبر عن خيار الناس، بمن فيهم الجماعات الدينية التي تعي صعوبة تطبيق الدولة الدينية في البحرين.
الصنف الرابع يمثله أهل التردد الذين لا يرغبون في اتخاذ موقف. وهؤلاء ــــ إذا افترضنا حسن النية ــــ يرهبهم الحديث الطائفي، ويحاولون إمساك العصا من المنتصف، وانتقاد اللغة الطائفية السائدة بكلمات عامة، متجاهلين أن الانقسام سياسي بين متطلعين للحرية وسلطة قمعية، وأن النخبة الحاكمة تصرّ على مذهبة القضية، وبناء الحياة السياسية على الطائفية. لذلك هي من يجب أن توجه لها الإدانة المباشرة بالطائفية.
لقد سقطت هذه النخب مرتين. مرة حين تعالت على هموم الناس لتتفرغ لنقاشات عقيمة. ومرةً أخرى حين تجاهلت قمع الناس أو حرّضت عليه، بحجة مواجهة الخطر الفارسي. لذلك سيبقى هؤلاء منفذين لأجندات محددة أو مهمشين. في ظل اللغة الهجومية التي اختلط فيها خطاب الشوارع الطائفية بخطاب النخبة المثقفة ضد الثائرين في البحرين واتهامهم بالعمالة لإيران، خرج النائب الموالي للحكومة جاسم السعيدي ليقول إنّ البحرين جزء من السعودية، ويكشف بصمت تلك النخبة عن حديثه حجم الكذب باسم السيادة الوطنية.
«عملاء إيران» من أبناء البحرين، سنّة وشيعة، يصنعون التاريخ. فيما يقف مثقّفو اللاإنسانية موقف الخزي والعار أمامه.
(السعودية)