وفي 14 آذار/ مارس 2011، بقيت إرادة الشعب البحريني كسطر جديد في صفحة التاريخ الذي بدأته في 14 شباط/ فبراير، إرادةٌ لا تخبو ولا تتعطل. إرادة الحرية التي بدأت مع زهور عيد الحبّ الأوروبي، واتجهت بضوء الثورات العربية إلى الحرية. وثورة 14 فبراير لم تكن مجرد هبّة حماسية جاءت بها ثورتا تونس ومصر، إنما هي ذهاب للبحرين نحو أفق الحرية. الذهاب الذي بدأ يؤسس لمعنى الشعب، لدى كل فرد شهد هذه الثورات. «الشعب»، هذه المفردة المثقلة اليوم بدلالاتها وطاقتها.
المفردة القادرة، المفردة الحق التي كانت غائبة ومغيّبة كما هو المعادل لها ـــــ الشعب المغيّب بكل نبضه وإرادته ورأيه. مغيّب عبر نصف الحرية والرأي الموارب. مغيّب خلف الخوف والتردد ووهم الوهن. بعد أعوام من الآن، سيبقى ضوء «الشعب يريد» صدى يتردد في اللاوعي العربي، وسيبقى ضوء 14 فبراير ذكرى في وجدان الفرد في البحرين، مانحاً إياه صوتاً واضحاً هو صوت الشعب البحريني وحده.
وبإمكان اللحظات التي تمر الآن متمهلة أن ترسم لنا صورة الشعب البحريني بطائفتيه السنية والشيعية، أن ترسم لنا صورة المثقف والفنان، الطبيب والمدرّس والوزير ورجل الدين، والعمّال باختلاف أعمالهم ومذاهبهم، وقد صاروا كلهم كياناً واحداً يحترم الدم الذي تكلّم في 17 فبراير، ويؤمن بحرية الشعب البحريني وإرادته.
وكل هذه القوة التي تقترح صورة جديدة للشعب، ستقترح معها فرداً بحرينياً بروح جديدة. الشاب الذي صار يهتف «سلميّة سلميّة»، والبنت التي رفعت شعار «أطالب بتوزيع عادل للثروات». الجماعات التي هتفت بتوحيد الصفوف وتجاوز الطائفة لمصلحة الوطن. الشاب الذي حمل الكاميرا ليقدم صورة حقيقية لمواطن جريح أو وطن ينزف. الطفل الذي يردد من دون وعي «الشعب يريد». الجمعيات السياسية والمؤسسات الثقافية ووسائل الإعلام التي صارت أفراداً من كتّاب وصحافيين ومصوّرين في تضامنهم النبيل مع الشعب البحريني. شبّان الطائفة السنية الذين شكّلوا طوقاً لحماية إخوتهم الشيعة في جامعة البحرين من بطش البلطجية. المثقفون العرب الذين لم تخدعهم لعبة الطائفية التي نُسجت فكتبوا عبارات نبيلة على «فايسبوك»، ولم يبخلوا بجهودهم لرسم صورة حقيقية عبر الإعلام لثورة هذا الشعب في ذهابه إلى الحرية...
كل هؤلاء سيخلقون نموذجاً جديداً للفرد البحريني، ليكون شعبنا يداً واحدة، وقلباً واحداً يسع بحرين، لا تعترف بمذهب سوى الحرية، ولا تؤمن سوى بالإنسان أساساً لسيرورة النهضة وقيام الدولة التي تحتضن كل التيارات والمذاهب... بكل ما للإنسانية من رحابة، وكل ما للمدنيّة من أفق. إذاً هي صورة واضحة الآن حيثُ الشعب لا الطائفة، حيثُ البحرين لا السنّة والشيعة، والحرية لا ما يشبهها. ليس للحرية سوى صورة واحدة.
(البحرين)