علمان عربيّان (التونسي والمصري) نصب كل منهما على مكنسة، في جوار الأعلام العربيّة الأخرى التي تنتظر دورها. المشهد أزعج لجنة الرقابة في «آرت دبي 2011» الذي اختُتم أخيراً، فما كان منها إلا أن تدخّلت لتعديل تجهيز منير الفاطمي «أكثر من ربيع ضائع». الفنّان المغربي المشاكس الذي كان أحد المشاركين في الدورة الخامسة من التظاهرة الخاصة بالفنون المعاصرة، اختار توجيه تحية إلى الثورات العربيّة.
في جناح «غاليري أوسنو» الفرنسية، علّق 20 علماً عربياً على حائط أبيض... وخارج سرب الأعلام المتراصّة، نصب علَمي تونس ومصر فوق مكنستين خشبيتين. التحيّة الواضحة للشعوب العربيّة التي هبّت لكنس أنظمة الاستبداد والقمع، أربكت المنظّمين، وخصوصاً أن المعرض تزامن مع توجّه القوات الإماراتية إلى البحرين للمشاركة في قمع المتظاهرين. عُرض العمل من دون المكنستين، «ما أساء إلى بنيته وخطابه»، بتعبير إيريك أوسنو، صاحب الغاليري التي تبنّت الفاطمي.
الفاطمي (1970، الصورة) سبق له أن رفع الرايات على أذرع المكانس، في عمله «مجموعة الثمانية» (2004). يومذاك، بادر الفنان الشاب المقيم بين طنجة وباريس، إلى إنزال أعلام الدول الصناعية الثماني عن نواصيها، ونصبها على طرف مكانس. وبدا العمل رسالة احتجاجية على عمالقة الاقتصاد العالمي وسياساتهم الممعنة في الليبرالية على حساب الشعوب. في دبي 2011، اختلفت المقاربة: صارت المكنسة مجازاً للثورة الشعبيّة وأداةً للتطهير. يعمل هذا الفنان المعاصر (تشكيل، تجهيز، فيديو) على خلق فضاءات جارحة ببساطتها.
منذ انطلاق مسيرته عام 1996، أنجز أعمالاً فاضحة برسائلها المختصرة من جهة، المشبعة بالإحالات الفلسفية والفكرية والسياسية من جهة أخرى. في العديد من أعماله، يختار حفر آيات قرآنية بالخط العربي على شرائح معدنية دائرية، أشبه بالمجزّات الضخمة. يبني الفاطمي عوالمه في منطقة ملتبسة عند تقاطع السياسي والمقدّس، ويوظّف أدواته لنكء الجراح المعاصرة.... لكنّ حريّة الابتكار لها حدود في إمارة مثل دبي، والرقيب لا يحبّ المكانس في زمن الثورات المفاجئة. والعمل الفني، كما لاحظ إيريك أوسنو، قد يكون «مصدر تهديد حقيقي». غريبة هذه التظاهرة «الدوليّة» التي تخاف من عمل فنّي وتبادر إلى «تعديله»!
www.galeriehussenot.com
www.mounirfatmi.com
www.artdubai.ae