دمشق | ماذا يحصل في محافظة درعا السورية؟ ما عدد الضحايا الذين سقطوا نتيجة قمع الاحتجاجات الشعبيّة؟ تضاربت المعلومات، وتعدّدت الخلفيّات السياسيّة التي تتحكّم بالتغطية الإعلامية لما يجري في هذه المدينة الجنوبية. كان لافتاً غياب الخبر عن معظم وسائل الإعلام العربيّة، يوم اندلاع التظاهرات (باستثناء «العربيّة» طبعاً). أمّا وسائل الإعلام السورية فغابت في البداية عن التطورات الميدانية، قبل أن تملأ الفراغ بخفر، وتعقد حلقات حواريّة، علماً بأن الرواية الرسميّة لما حدث أقرب إلى أفلام الخرافة العلميّة: «عصابة مسلّحة هاجمت سيارة إسعاف وقتلت الطبيب والمسعف والسائق، قبل أن تتصدّى لها القوى الأمنية». وعرضت التلفزيونات السورية صوراً لنقود وأسلحة قالت إنه عُثر عليها داخل المسجد العمري في درعا، وإنها «تعود لعصابات مسلّحة تعمد إلى استخدام العنف ونشر الشغب في المدينة»! ما يذكّر بخطاب نظام مبارك عن «الأجندات الخارجيّة»، والقذافي عن مؤامرات «القاعدة»... فيما أكّد مصدر مسؤول في «التلفزيون السوري» أن هذا الأخير عرض كل اللقاءات التي سجّلها مع المواطنين من دون مَنتَجة، في ردّ على من اتهمها بتشويه بعض المقابلات. من جهة ثانية، اختار تلفزيون «الدنيا» (شبه الرسمي) التعاطي مع الأحداث بصفتها تطورات عابرة، لا تستحقّ التوقف عندها واصفاً المجحتجّين بـ«المندسّين»، و«الغرباء»! قناة «المشرق» السورية التي أقصيت إلى دبي، بدت متحمسة للانتفاضة. أعادت بثّ صور لتجمع شعبي في سوق الحميدية، واستضافت معارضين سوريين في برامجها. لكن عفويّة هذا التعاطف بدت موضع تساؤل في دمشق، حيث سلّط بعضهم الضوء على الخلافات التي نشبت قبل عامين بين صاحب المحطّة غسان عبود وبعض الشخصيات النافذة في النظام الحالي. وزاد من البلبلة ما أشيع عن تهديدات تعرّض لها عاملون في المحطة من أجهزة سورية. إلّا أنّ صحافيين في «المشرق» أكدوا لـ«الأخبار» أنّ هذا الكلام عار عن الصحّة. وقد لجأت محطّات أخرى، مثل تلفزيون «بردى» الذي يملكه عبد الحليم خدام، إلى لعبة التحريض. أمّا التغطية الأخطر، فكانت لشاشة «صفا» الدينية التي لجأت إلى بث السموم الطائفية، رافعةً شعار «انصروا أهل السنّة فهم يُذبحون». وبثت أخباراً عن استعانة الجيش السوري بعناصر من «حزب الله» وجنود إيرانيين لمواجهة التظاهرات في درعا!
لكن المشهد بدا مختلفاً في الإعلامين العربي والعالمي. كانت «فرانس 24»، و«بي. بي. سي. عربي»، و«العربية» الأكثر اهتماماً بنقل التظاهرات، والكلام الممنوع، والأرقام الصادمة للضحايا. وبينما احتلّت التحركات الشعبية في سوريا صدارة النشرات على الشاشات المذكورة، ظل الخبر هامشياً على «الجزيرة» التي لم تستعد أنفاسها إلا يوم أمس. أخيراً استدركت الموقف، وركّزت على الرسائل الميدانيّة وصور الاضطرابات، بعدما تعاملت مع الأحداث بخجل خلال الأيام السابقة، حتّى صار الناس يردّدون في الشارع «وينك يا «جزيرة»؟». لكن الفضائية القطرية عادت فاستقبلت إمام المسجد الأموي السابق ليناشد الرئيس السوري أن يرفع قانون الطوارئ، ويجري إصلاحات سياسية واسعة في البلاد. يطول الحديث عن الدوافع السياسيّة والإيديولوجيّة لهذه المحطّة أو تلك، في لبنان أو الخليج، لكنّ المؤكّد أن الوقائع التي نقلتها حقيقيّة للأسف، وقائع هناك من كان يتمنّى أن تطوى في غياهب الصمت.