الشارقة | على برنامج «بينالي الشارقة»، تظاهرة فريدة بعنوان «سبع حبكات قصيرة لبينالي». ستة أعمال فيديو أنتجها البينالي (كان مقرراً أن تكون سبعة)، صُوِّرت بتقنية الفيديو الرقمي، ويتواصل عرضها ضمن الدورة العاشرة التي تستمرّ حتى 16 أيار (مايو) المقبل. تنوعت مواضيع الأفلام وبنيتها، إلا أنها استُلهمت من الإطار المفهومي الذي وضعه المشرفون على التظاهرة سوزان كوتر ورشا سلطي وهايك آيفزيان، القائم على مفردات الخيانة، والحاجة، والتمرّد، والانتماء، والفساد، والإخلاص، والبوح. من هنا جاءت الأفلام حاملة لتنويعاتٍ بصريّة وسرديّة لافتة.
يستعير البرازيلي الجزائري كريم عينوز عنوان فيلمه Sunny Lane (سوبر 8 وفيديو رقمي/ 12 د) من اسم شارع شهير يقع جنوب غرب برلين، ويضمّ عدداً كبيراً من المهاجرين العرب. في «ساني لاين»، ينقل عينوز ــــ بلعبة مونتاج حاذقة ومن دون تدخلٍ سردي ــــ حالة الاغتراب والعزلة. يمهّد الفنان لفيلمه بنصٍّ عن آخر من سقطوا في محاولة عبور جدار برلين قبل انهياره. يأخذنا لاحقاً في جولة عبر صور متلاحقة، تمزج ملامح المدينة بلقطات من حياتها الليلية. مع تتابع اللقطات، نفقد الإحساس بواقعية المكان. ومع مشاهد الثلوج المتساقطة، يصير المكان أكثر إبهاماً وضبابية.
عكس عينوز، تختار اللبنانية رانية عطية وشريكها الأميركي دانيال غارسيا، مقاربةً مغرقة في الواقعية. يسجلان مشاهد مقتطعة من يوم في حياة زوجين مسنين من مدينة طرابلس اللبنانية. في شريطهما «لحظات قصيرة من زواج طويل» (فيديو رقمي/ 11 د)، يختار المخرجان توثيق لحظات مقتطعة من يوم عادي ورتيب في حياة الزوجين الطاعنين في السن. اللقطات الطويلة نقلت الإيقاع اليومي والتفاصيل الحقيقية لمسيرة يوم يبدو عادياً بزمنه المتراخي. وحدها أصوات الأخبار الواردة من ميدان التحرير في القاهرة تكسر حدة الرتابة. ومع تعالي الأصوات المنادية بمستقبلٍ أفضل، تسقط الزوجة على أرض المطبخ وهي تعد قهوة المساء. موتٌ رتيبٌ كما الحياة نفسها، يحدث على إيقاع ثورةٍ تنبض بالحياة وترفض الموت. الكاميرا المحصورة في منزل الزوجين في طرابلس، تنعتق لتجوب أرجاء الريف المغربي الساحر في فيلم هشام عيوش «كيف ما يقولوا» (فيديو رقمي/ 20 د). يذهب أبٌ محافظ شديد البأس، مع ابنه المراهق، في رحلة تخييم. كل شيء معد بمثالية لتوطيد العلاقة بين الاثنين، لكن الابن يفشي سره: «أنا مثليّ»، فتتحول العطلة إلى جحيم. تأتي نهاية الشريط تراجيدية، لكنّها تبدو حتمية لمسعى الابن المُتمرد على طوق الأب وحبه الجارف. في المغرب نفسه، لكن في طنجة، تدور أحداث فيلم الأميركي شون غوليت «خونة» (فيديو عالي الحساسيّة/ 31 د). غوليت رفيق دارين أرونوفسكي ـــ شاغل الناس هذه الأيام ببجعته السوداء ـــ الذي كتب له باكورته الطويلة Pi (١٩٩٨) يرصد في فيلمه حكاية الشابة ملكة. تحاول هذه الأخيرة مع رفيقاتها تأسيس فرقة «خونة» لموسيقى البانك، في محاولة للتمرّد على القيود الاجتماعية، والتعبير عن مشاعر جيل محبط. وعكس فيلم عيوش، لا أحد يبوح بالسر، بل يُكتشف مصادفةً. هل كانت والدة ملكة تخون والدها مع عشيقٍ سري لسنين طويلة؟ الاكتشاف يعصف برأس ملكة، فتُمضي ليلة طويلة حافلة بالمغامرات في مدينة تعج بحياة ليلية صاخبة. في شريط غوليت، مزجٌ عالي الحرفة للاضطراب الذاتي بالآخر الجمعي، في مدينة تعيش على حافة الانفجار.
الاستعانة بالرمز يتحول إلى مباشرةٍ حادة في الشريط التسجيلي «الهارب» (فيديو رقمي/ 20 د) للمغربي الآخر علي الصافي. يُقدم الفيلم وثيقة شجاعة لسنوات الرصاص المغربية في السبعينيات. يحاور المخرج أحد المناضلين الذي قضى سنوات في المُعتقل. يتذكّر المناضل المُخضرم، بابتسامة دافئة، الشهور السابقة لاعتقاله، حيث عاش منتحلاً شخصيةً أخرى، محاولاً نشر أفكار الثورة والعدالة الاجتماعية. تمثّل الصور الأرشيفيّة الأساس في فيلم الصافي، إذ ينهي وثيقته السينمائية بلحظة اعتقال البطل قبل أربعة عقود، من دون التطرق للتطورات السياسية اللاحقة والوضع السياسي الراهن في المغرب. تبدو النهاية شديدة التشاؤم، يبدو أن الصافي أنجز شريطه قبل الحراك الثوري الذي يجتاح المنطقة العربية من مشرقها إلى مغربها.
وتأخذ الوثيقة عند بهمان عباس كياروستامي شكلاً معاكساً، فتبني على اللحظة الراهنة لتحكي عن الماضي ومآلاته. في شريطه التسجيلي «جواد» (فيديو رقمي/ 18 د)، يحكي كياروستامي قصة المغني جواد ياساري الذي لمع اسمه في أواخر السبعينيات في لالزار Laalezaar، منطقة النوادي الليلية في طهران قبل عام 1979. بعد الثورة، وجد ياساري نفسه مُضطراً للسفر إلى دبي، وبعض الدول الأوروبية ليبقى على تواصل مع جمهوره.
تنتقل كاميرا كياروستامي الابن بين حفلات ياساري في فنادق دبي، ومتجر الأدوات المُستخدمة الذي يملكه في طهران. يبدو المخرج وفياً لأسلوب جيل والده، عبر الاعتماد على شخصياتٍ حقيقية تحكي عن الحياة، بتفاصيلها اليومية البسيطة. قد تغيب عن «جواد» اللمسات الشاعرية التي تميز واقعية كياروستامي الأب، لكن النقد السياسي المُبطن، ورصد التحولات الاجتماعية والاقتصادية الهائلة في إيران تبقى حاضرةً بقوّة.
www.sharjahart.org