بعد أكثر من أربعين سنة من العطاء، لا يزال لونيس آيت منقلات يتصدّر لائحة شعراء اللغة القبائليّة في الجزائر. أسهم المغنّي الجزائري الشهير في تطوير الأغنية الأمازيغية، واشتهر أيضاً بمواقفه النضالية والقومية. رافق الكاتب مولود معمري (1917 ــــ 1989) في انتفاضة الربيع البربري (1980) وتعرّض للسّجن عام 1985 بتهمة الانتماء للمعارضة. رفض لقب وسام جوقة الشرف من وزارة الثقافة الفرنسية، كما امتنع عن مرافقة النجم العالمي زين الدين زيدان في زيارته إلى الجزائر (2006): «أرفض استغلال نجومية الآخرين من أجل البروز في وسائل الإعلام». رغم شهرته الواسعة، يواصل لونيس العيش في قرية إيغيل بواماس الأمازيغية الهادئة، حيث ولد عام 1950. من قريته الواقعة في أعالي جبال جرجرة في تيزي أوزو (جنوبي الجزائر العاصمة)، يواصل تأمل الحياة والتّطلع إلى الأفضل.يطالع، يكتب، يهتم بشؤون العائلة ويتابع تطورات الأغنية القبائلية: «كثير من الأسماء الجديدة وصلت خلال الفترة الأخيرة. فيها الجيد وفيها العكس. لكن إجمالاً أعتقد أنني متفائل بمستقبل هذه الأغنية. الكمّ سيقودنا إلى تحقيق القفزة النوعية
لاحقاً».
يقول ذلك، في وقت صارت فيه الأغنية القبائلية تتوجه أكثر فأكثر نحو الإيقاع الخفيف، مع أعمال تحمل توقيع أسماء شبابية تحظى بشعبية واسعة، أمثال محمد علاوة. يستذكر رفاق الدرب السابقين، ومنهم كاتب ياسين الذي قال عن رفيقه ذات يوم: «آيت منقلات واحد من أهم الشعراء ... إنّه الوحيد القادر على حشد الجموع، سواء كان يغني في الجزائر أو خارجها. جموع تثير رعب قوى الاضطهاد، ما سبّب له مشاكل كثيرة مع الشرطة».
يفضّل أبناء القبائل تلقيب آيت منقلات بـ«الحكيم». يعيش هذا الفنان مختلف التحوّلات التي يعرفها البلد من الداخل، ويحاول الاستفادة من التجارب الفردية بغية بلورة رؤية تتقاطع مع تطلعات مواطنيه. «أقضي وقتاً طويلاً في الكتابة والتلحين والتفكير في شكل تقديم الأغاني»، يقول. ثم يضيف: «أعتقد أن دور الفنان يقوم على طرح قضايا واقعية تمسّ حياة الأفراد اليومية».
يقسّم المتخصصون في سيرة لونيس آيت منقلات مسيرته إلى مرحلتين. المرحلة الرومانسية التي تمتدُّ من مطلع السبعينيات إلى نهاية الثمانينيات وألّف خلالها أغاني قصيرة، ذات طابع عاطفي وإيقاع خفيف ... ثم المرحلة الفلسفية السياسية المستمرة حتى اليوم، والمتميزة بأغانٍ طويلة، ملتزمة، وتحمل كمّاً من الرمزية. ذلك ما نلاحظه مثلاً في ألبومه الأخير «الورقة البيضاء» (2010). في الأغنية التي أعطت عنوانها للأسطوانة، يحكي على لسان رجل يريد أن يصير شاعراً: «استيقظت فجراً/ وقررت أن أصير شاعراً (...) سهرت ليال طوال/ ورفض الشعر أن يجاورني/ (...) وظلّت الورقة بيضاء». تضمّن الألبوم سبع أغانٍ منها «لبغي ن وول» (رغبة القلب) و«لجواب دغ واضو» (الجواب في الريح).
حملت أغاني آيت منقلات، في السنوات الأخيرة، دعوة إلى التأمل، ورسائل للعودة إلى الذات، إضافةً إلى مسحة من الحزن أكثر من التطلّع إلى الفرح والابتهاج، كما كانت عليه في سنوات ماضية.
المصادفة وحدها هي التي قادت الفنان الشهير إلى عالم الغناء. يتذكر البدايات: «في حدود السابعة عشرة، كتبت كلمات أغنية، رغبة منّي في التنفيس عن حالة شخصية. وفجأة وجدت نفسي في الإذاعة، ضمن برنامج مخصص للمواهب الشابة، من إعداد شيخ الأغنية القبائلية شريف خدام الذي شجّعني ومنحني ثقة في النفس». شكّل شريف خدام السند الأول والأهم الذي اعتمد عليه لونيس في البداية، مستفيداً في الوقت عينه من تنوع الثقافة البربرية الشفوية «من خلال توارث الأغاني والأشعار عن الجدات». كما أسهم في تشكيل وعيه ديوان الشاعر التروبادور سي محند أو محند (1840 ــــ 1905) الذي يعدّ شاعر اللغة القبائلية الأول.
الأغنية الأمازيغيّة انطلقت من المهجر كما هو معروف، وحملت خلال الخمسينيات نبرة قومية في الدفاع عن قضية استقلال الجزائر إبان الحقبة الكولونيالية. لكنّ هذه الأغنية عانت طويلاً من قمع السلطة السياسية الأحاديّة، بسب انخراطها في مطلب جعل الأمازيغية لغةً وطنية. مطلب لم يتحقّق إلا عام 2001، بعدما دفع كثيرون ثمناً غالياً، وماتوا في المنفى على غرار سليمان عازم والشيخ الحسناوي ... أو اغتيلوا خلال سنوات الإرهاب، مثل المغني معطوب الوناس (1956 ـــ 1998) الذي كان بعضهم يرى فيه غريماً لآيت منقلات. «كانت تفصلني عن الوناس بعض الاختلافات الشخصية، وهذا أمر منطقي. لكن في العمق كانت تربطنا علاقة ودية وطيدة».
آيت منقلات (اسمه الحقيقي عبد النبي آيت منقلات) واحد من أكثر المغنّين حشداً للجماهير في حفلاته، أكانت في الجزائر أم في فرنسا. يمتلك الرجل قاعدة شعبية واسعة، ويسعى الى الحفاظ عليها من خلال تجنب الوقوع في هفوات اللعبة السياسية والابتعاد عن الصراعات الدائرة. «ليس من باب الرياء، إن قلت إنني لست منخرطاًَ في دعم أي توجه سياسي»، يؤكد. رغم ذلك، يلومه بعضهم على المشاركة في تجمع شعبي عام 1999، دعماً لحملة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة. لكنّه يبرر ذلك بكونه مجرد «فضول للاستماع إلى برنامج مرشح معين، لا رسالة دعم». موقف صححه لاحقاً بعدما رفض المشاركة في جولة فنية ذات أغراض سياسية (2004) لدعم حملة بوتفليقة الانتخابية ...
«يا من لها اسم يرن جلالة/ مثل الموسيقى تستبي آذاني/ إن الجمال مكنّز في ثغرك/ فحبي فقيراً عاشق الغزلان»، هكذا يتغزل لونيس آيت منقلات بالمحبوبة. لكنّ عشقه الحقيقي هو اللغة الأمازيغيّة، إذ لا يمنعه انشغاله الفني، من إطلاق مشاريع في خدمة الثقافة الأمازيغيّة، أبرزها تأسيس مجلة «معابر» التي لم يكتب لها الاستمرار بسبب شحّ الموارد المادية. إلى جانب ذلك، يركّز الكثير من اهتمامه على مسيرة وريثه جعفر الذي قرر أن يسلك نهج والده ... إذ يؤمن بدوره في مخاطبة العقل، ويعتقد أنّ مهمته الأساسية تتجسد في الدفاع عن الحريات.



5 تواريخ





1950
الولادة في قرية إيغيل بواماس
في تيزي أوزو
(جنوبي الجزائر العاصمة)

1967
ألّف أغنيته الأولى
«ما ترود» (إذا بكيت)

1985
دخل السجن بتهمة انتمائه
إلى المعارضة

2006
امتنع عن مرافقة زين الدين زيدان
في زيارته إلى الجزائر

2011
جولة فنيّة واسعة
في فرنسا