القاهرة | «ترحيب مشوب بالحذر»، قد تكون هذه العبارة الأكثر تعبيراً عن ردّ فعل العاملين في المؤسسات الصحافية الحكومية المصرية، بعد إعلان تغييرات كبيرة في إدارات هذه الصحف. وبعدما انتظر الصحافيون أسابيع طويلة طالبوا خلالها باستبدال رؤساء ومديري التحرير الموالين لنظام حسني مبارك الذين كانوا من أبرز قادة «الثورة المضادة»، بآخرين أكثر قرباً من روح «مصر الجديدة»، تحقق مطلبهم، لكن بالصيغة التي قررها المجلس العسكري الحاكم.خلال الشهرَين الماضيَين، طرح الصحافيون أسماء عدة لتخلف المسؤولين الحاليّين في المطبوعات الحكومية.

هكذا، سمعنا أسماءً لأشخاص اشتهروا بمعارضتهم للنظام المخلوع، حتى إن بعضهم بدأ يبني آمالاً بتحويل هذه المؤسسات الصحافية إلى رأس حربة لفضح فساد النظام السابق وتجاوزاته، بعدما سكت عنها سنوات طويلة، لكن اتضح أن القرار الأول والأخير هو بيد المجلس العسكري، الذي كان له رأي مختلف عن رأي الصحافيين، إذ اختيرت شخصيات بقيت بعيدة عن نفاق النظام السابق وفساده، لكنها في الوقت نفسه لا تمثّل استفزازاً لأي طرف، وليس لها مواقف سياسية «فجّة»، بل إنّ قسماً كبيراً من المسؤولين الجدد غير معروف داخل الشارع المصري، وليسوا نجوماً في عالم الصحافة، لكنهم أيضاً على علاقة جيدة مع معظم العاملين في المجال الإعلامي الحكومي.
ورغم الاستغراب الذي رافق إعلان «التشكيلة» الجديدة، بدا واضحاً موقف المجلس العسكري وكذلك دوافعه: أراد المجلس اختيار شخصيات تصلح للمرحلة الانتقالية، على أن يتولى الرئيس المصري المقبل تغييرها إن ارتأى ذلك.
ويجمع معظم الصحافيين على أن الأسماء الجديدة، تسلّمت مناصبها الجديدة بسبب الثورة، ولولا التحركات الشبابية التي أطاحت رموز النظام السابق، لما وجد المسؤولون الجدد مكاناً لهم في المؤسسات الحكومية. وانطلاقاً من هذا الواقع، يرى العاملون في هذه المؤسسات أن الرؤساء والمديرين الجدد عليهم الحفاظ على الهدوء داخل الصحف، طبعاً إلى جانب وضع خطة إنقاذ عاجلة لحماية الإصدارات الصحافية من مصير مظلم. وإذا قررت الدولة التعاطي مع هذه المطبوعات بمنطق الربح والخسارة، فإنّ مستقبلها لن يكون مزدهراً، بل إن معظمها ستواجه مشاكل كبيرة. ويدرك الجميع أنّ هذه الصحف تواجه خسائر مالية كبيرة، لكن نظام مبارك كان يحميها من الإفلاس المحتوم. وسبق أن ارتفعت أصوات عدة في السابق تطالب بخصخصة هذه المؤسسات وبيعها لرجال أعمال مصريين.
وإن كانت التغييرات قد أراحت قسماً كبيراً من الصحافيين، فإن الصدمة كانت من نصيب آخرين. مثلاً فوجئ العاملون في «دار الهلال» بأن رئيس تحرير مجلة «المصور» التي صدرت عام 1924، حمدي رزق لا يزال في منصبه رغم أنه سبق أن تقدّم باستقالته، وأكد أنه لا يريد أن يبقى في المجلة. وكان العاملون في المطبوعة قد أجروا انتخابات داخلية (غير ملزمة) أدّت إلى اختيار عادل سعد بديلاً عن رزق. ونتيجةً لذلك، هدد العاملون في «المصوّر» بالاعتصام، وربما بالإضراب المفتوح إذا لم يُستَجب لمطالبهم ويجري تغيير رزق.
كذلك، هناك إصدارات عدة شهدت مطالبات بإقصاء رؤساء تحريرها، لكن ذلك لم يحصل. ولعل أبرزها مجلة «أخبار الأدب» التي انتخب صحافيوها الزميل محمد شعير رئيساً للتحرير، لكن المجلس العسكري أبقى مصطفى عبد الله في منصبه رغم مقاطعة معظم الصحافيين الكتابة في المجلة بسبب سياساته. وهو ما حصل أيضاً في مجلة «أخبار النجوم»، التي تترأس تحريرها أمال عثمان. فيما كان أبرز المستبعدين عبد الله كمال رئيس تحرير مجلة وجريدة «روز اليوسف»، وهو في مقدمة الصحافيين المحسوبين على جمال مبارك، إذ تولى أسامة سلامة رئاسة تحرير المجلة، وإبراهيم خليل مسؤولية الجريدة. كذلك، استُبعد ممتاز القط واستُعين بالسيد النجار بدلاً منه في جريدة «أخبار اليوم». فيما احتفظ ياسر رزق رئيس تحرير «الأخبار» بمنصبه رغم ولائه للنظام السابق، لكن الرجل تسلّم مهمّاته قبل اندلاع الثورة بعشرة أيام، ونجح في دفع الجريدة بقوة إلى ساحة المنافسة.
أما في المؤسسة الحكومية الأبرز، أي «الأهرام»، فحصلت تغييرات عدة: عيّن لبيب السباعي رئيساً لمجلس إدارة المؤسسة، وعبد العظيم حماد رئيساً لتحرير الصحيفة، وعلاء ثابت خلفاً لطارق حسن في رئاسة تحرير «الأهرام المسائي»، ومحسن أحمد حسنين رئيساً لتحرير مجلة «أكتوبر». باختصار، يمكن القول إن عجلة التغيير داخل الصحف والمجلات الحكومية انطلقت، لكن يبقى علينا انتظار أداء المسؤولين الجدد، وسعيهم إلى انتشال هذه المؤسّسات من المستنقع الذي أغرقها فيه نظام حسني مبارك.



وائل الإبراشي الخاسر الأكبر

رغم أنه أول صحافي يرشَّح لمنصب رئيس تحرير بعد الثورة، خسر الإعلامي وائل الإبراشي كثيراً بسبب التغييرات الصحافية. وكان تداول اسم الإبراشي قد بدأ قبل شهر تقريباً، حيث رشحه كثيرون لتولي رئاسة تحرير جريدة ومجلة «روز اليوسف». وهو الأمر الذي دفع مالك جريدة «صوت الأمة» عصام فهمي إلى إبعاد الإبراشي عن رئاسة تحرير هذه الصحيفة، والاستعانة بعبد الحليم قنديل، وخصوصاً مع انشغال الإعلامي الشهير بتأسيس حزب سياسي، لكن جاءت التغييرات الصحافية لتبعد الرجل عن «روز اليوسف» وعن «صوت الأمة»، ليعود من جديد للتفرغ لبرنامجه الأسبوعي «الحقيقة» على شاشة «دريم 2».