رام الله | بعدما غيّر محمد البوعزيزي أجندتهم فأوشكوا على إلغاء المهرجان، قرّر المنظمون إطلاق «أيام المنارة المسرحية» رغم غياب الحضور الدولي والعربي المعتاد في دوراته السابقة. انطلق المهرجان مساء الأحد الماضي، ويستمرّ حتى 13 نيسان (أبريل) الحالي، وقد منح دورته الرابعة اسم «ثورة تونس». وجاء اغتيال جوليانو خميس ليمثّل هزّة كبرى للأيّام، لكنّ القيّمين قرّروا مواصلة المهرجان تحدياً للهمجيّة والموت.
يتولّى «مسرح وسينماتك القصبة» في رام الله تنظيم هذه التظاهرة سنوياً، وقد استضافت في الأعوام الماضية عروضاً عربيّة وعالميّة، لكنّ هذه السنة، تعذرت مشاركة فرق عربية، ما دفع الإدارة إلى جعل البرنامج محلياً بحتاً، بمشاركة فرق من حيفا، والناصرة، وسخنين، والقدس، وبيت جالا، ورام الله، إلى جانب عرض من الجولان المحتل.
رغم العقبات إذاً، أصرّ منظمو المهرجان على إبقاء شعلته متّقدة، وخصوصاً أنّه تحوّل إلى منبر لتكريم أعلام المسرح الفلسطيني. وقد خصّص هذا العام زاويةً للاحتفاء بالمسرحيَّين رياض مصاروة وكامل الباشا.
على مدى السنوات الماضية، نجحت «أيام المنارة» في خلق تواصل بين الجمهور والمسرح، في ظلّ غياب تظاهرات فنية مشابهة في فلسطين، وشحّ الموارد المالية الرافدة لفنون الفرجة. افتتاح الدورة الحالية، حمل إضافةً مهمّة. بعد انقطاع 15 عاماً، عاد الثنائي جورج إبراهيم والياس نقولا للأداء على الخشبة، ترافقهما الممثلة نسرين فاعور (بطلة فيلم «أمريكا» للسينمائية شيرين دعيبس). قدّم الثلاثي الإنتاج الجديد لـ «مسرح القصبة» وهو مسرحيّة «الكراسي» لأوجين يونيسكو (1909 ـــــ 1994) التي كانت آخر ما أخرجه جوليانو مير خميس قبل سقوطه برصاص الغدر أمام مسرحه في مخيّم جنين يوم الاثنين (راجع الإطار). علماً بأنّها المرة الأولى التي يُقتبَس فيها نص هذا الكاتب الفرنسي الروماني الشهير، في المسرح الفلسطيني.
يؤكّد جورج إبراهيم أن عرض «الكراسي» باق على البرنامج، رغم الحادث المفجع، ويعزو اختياره لافتتاح «أيام المنارة» قبل اغتيال جوليانو، لما يتمتّع به هذا النص من قيمة فنية «جعلته منتجاً عالمياً، يحكي جانباً من قصة الإنسان، أيّ إنسان، من دون الحاجة إلى إسقاطات فلسطينية أو محلية، فنحن أمام كتابة مسرحية مكتملة ناضجة». ويرى المسرحي مكرم خوري في «الكراسي»، حديثاً في اللامعقول حين يصبح واقعاً، يحتمل التأويل والتفسير في أي مكان وزمان، وهذا ما يجعل نصها خالداً. «إنّه نص قادر على عرض حكاية الجميع، ويمكن أن يجد المتفرج الفلسطيني نفسه فيها»، صرّح لنا جوليانو مير خميس يومين قبل سقوطه.
بعد عرض الافتتاح، قدّم «مسرح الحارة» من بيت جالا عرض «الحشرة» لرائدة غزالة، تلته رؤية فلسطينية لـ «محطات مارتن لوثر كينغ» على هدى الثورات العربية. العمل من تأليف المؤرخ الأميركي كليبورن كارسون، وقد ترجمه وأعده وأخرجه كامل الباشا وأنتجه «المسرح الوطني الفلسطيني ـــــ الحكواتي» في القدس. من سخنين، يقدم «مسرح الجوال»، عرضه الجديد «شخص غير مرغوب فيه» لنبيل عازار (8/ 4) المأخوذ عن شعر سميح القاسم. ومن الجولان يشارك «مسرح عيون» بعرض «مونولوجات غزة» (9/ 4)، كما يحضر الموت في قالب كوميدي في عرض «لما تيجي الساعة» لنبيل عازار (10/ 4) مع فرقة «انسمبل فرينج» من الناصرة. وتشارك الفرقة نفسها أيضاً بعرض «يا شمس لا تغيبي» (11/ 4) لمنير بكري. من حيفا، يشارك «مسرح الميدان» بكوميديا سياسية تحمل عنوان «بمزيد من الحزن والأسى» (12/ 4) يؤديها عامر حليحل ويخرجها نزار أمير زعبي. على أن يكون مسك الختام مع عرض «العذراء والموت» (13/ 4) من تأليف التشيلي أرييل دورفمان وإخراج جوليانو مير خميس أيضاً. يحكي العرض عن عزم يسكن قلب الضحية لتنتقم من جلادها، على زمن دكتاتورية بينوشيه أو... أيّ زمنٍ آخر.

«أيام المنارة المسرحية»: 7:00 مساءً حتى 13 نيسان (أبريل) الحالي ـــــ «مسرح وسينماتيك القصبة» (رام الله المحتلّة ـــــ فلسطين). www.alkasaba.org



الكراسي الفارغة


بعد عرضها في «أيام المنارة...»، يقدم جورج إبراهيم والياس نقولا ونسرين فاعور عرضاً ثانياً لمسرحية «الكراسي» عند السابعة من مساء غد في تحيّة إلى مخرجها القتيل. في نص يونيسكو الشهير، يغرق زوجان عجوزان بفعل الضجر والسأم، في حالة هذيان. يعيشان معاً خيالات تحمل إليهما زوّاراً، أدّوا دوراً مهماً في حياتهما. يملأ الزوجان حياتهما بحضور زوارهما الناقص على الكراسي الفارغة. وفي حضرة الكراسي الخاوية، يقرِّر الزوجان العبور إلى عالم آخر، قد يكون أكثر سعادة، فينتحران تاركَين رسالة غير مفهومة.