في معرضها «زمن» (غاليري أجيال)، تسلك ناديا صفي الدين طريقاً جانبية في إنجاز لوحتها، ولا تبالي كثيراً بالمنطق التسويقي أو إجراء تسويات مسبقة مع مقتنين تقليديين باتوا يفرضون أذواقهم على المُنتَج التشكيلي اللبناني والعربي. الرسامة اللبنانية المولودة في داكار (1973)، والمقيمة حالياً في برلين، تعرض 13 لوحة منفذة بزيت على كانفاس، لكنّ اللوحات لا تسلِّم مكوناتها بسرعة لعين المتلقي. لسنا أمام غموض متعمد أو استعراض فارغ لمهاراتٍ تشكيلية مبهرة. بالعكس، اللوحات مكتظة بوجوهٍ وأشخاص وأشكال متعددة ... هناك عملان يمثلان رسماً ذاتياً للرسامة نفسها، وآخر لوالدها. الفكرة أنّ حضور الوجوه والأشكال مشروط بأن تكون معالمها غير مكتملة أو متآكلة أو مطويّة داخل طبقات لونية غامقة وكثيفة.
اللافت أنّ كلّ هذا لم يقف حائلاً أمام بيع نصف الأعمال المعروضة بعد أيام قليلة على الافتتاح. إنها إشارة قوية إلى أن اللامبالاة بالذائقة العمومية والمبتذلة يمكن أن تُكافأ بمشاهدةِ منصفة وترويجٍ ذكي.
تشترك لوحات المعرض بكونها خلاصة وعي حادّ بطموحاتٍ ذاتية عالية. ارتجالٌ أشبه بالحمّى يقف وراء الضربات اللونية القوية التي أول ما نلاحظ فيها، أنّها سميكة وغير مخلوطة بمواد تخفف من كثافتها الأصلية. هكذا، تختفي المشحات الرقيقة المعتادة، لمصلحة طبقات سخية تجعل سطوح اللوحات نافرة، بحيث يبدو بعضها عملاً ثلاثي الأبعاد.
السخاء اللوني يصنع نبرةً أو خصوصيةً ما للرسامة الشابة. كأنّ صفي الدين تُشركنا في مزاجها القائم على حفرياتٍ لاواعية واستيهامات شخصية، تؤدّي غالباً إلى «إفساد» الأشكال النهائية لعناصر اللوحة التي تبدو مدينةً لما هو أكثر من الرسم. لا نشير فقط إلى هواية صفي الدين كعازفة بيانو، ولا إلى احتكاكها المباشر بالتعبيريات الألمانية الراهنة، بل إلى ثقافة متحصلة من الاتصال بالفنون الحديثة، ومن تأثيرات أوروبية معاصرة، ومن النَّفَس التشكيلي المستجدّ لبعض مجايليها اللبنانيين الشباب. التشخيص المبهم يتحول إلى اقتراح تجريدي مستحدث وطازج.
قد تكون بعض اللوحات ساطعة بالأحمر والأزرق والأخضر، وأخرى خامدة ومطفأة بالرمادي والأسود. في الحالتين، نجد أنفسنا أمام تجربة لا تقطع كلياً مع الماضي اللوني التقليدي، لكنها قادرة على تجويف هذا الماضي، وتثبيت اسمها فيه.



«زمن»: حتى 16 أبريل (نيسان) الجاري ـــ «غاليري أجيال» (الحمراء ــ بيروت). للاستعلام: 01/345213