القاهرة | هناك اقتصاد صناعة وهناك اقتصاد خدمات، لكنّ النوعين يجتمعان في كيان واحد، هو فن السينما. يقدّم الفن السابع فرص عمل كأي صناعة أخرى، لكنّه ـــ كأي قطاع خدماتي ـــ يتأثّر بالأحداث الكبرى. صناعة السحر والترفيه في «هوليوود الشرق»، تحلم بآفاق لا حدود لها بعد «ثورة يناير»... لكنّ الثورة نفسها قضت على مواسم العرض لعام 2011، فإذا بطموح شركات الإنتاج يشبه الآن طموح البورصة المصرية: الخروج بأقلّ الخسائر.
قبل أيام، اندلعت مشاجرة في قاعة عرض فيلم «365 يوم سعادة»، في ظلام «صالة رينيسانس» وسط القاهرة. حسم أحدهم المشاجرة بطعنة سكين أنهت حياة الطالب مينا ميشيل. فرّ الجناة، وأدركت قاعات العرض المحدودة التي تجرأت على استقبال الجمهور، أن لا أمل في هذا الموسم.
«365 يوم سعادة» لسعيد الماروق وبطولة أحمد عزّ، من الأفلام القليلة التي افتتح عرضها قبل أيام من الثورة التي اندلعت فأغلقت دور السينما. وحين تنحّى مبارك، عاد بعضها ليقدّم حفلات محدودة تنتهي قبل الظلام. دور السينما المصرية مشهورة بحفلات منتصف الليل بل وما بعد منتصف الليل. لكنّ حظر التجول جعل ذلك مستحيلاً.
وبينما كانت الصحافة تناقش آفاق فن السينما وتأثره المرتقب بمصر الجديدة، كان المنتجون يحسبون خسائرهم التي قد تودي بهم في اتجاه آخر تماماً، شعاره تقليص الإنتاج، والاحتفاظ بعلب الشرائط التي تمّ تصويرها لعرضها في ما بعد، ما يعني بالضرورة تأجيل تصوير الجديد. لكن المؤكد أن تعويض الخسائر عند عودة الحياة ـــ السينمائية ـــــ الطبيعية لن يكون صالحاً بالوسائل القديمة نفسها. فعلى الكوميديا مثلاً أن «تتنحى» جانباً، لأنها لن تناسب المزاج العام.
المزاج الجديد يتّضح من خلال اتجاه «مهرجان الإسكندرية السينمائي» إلى اختيار «ثورة يناير» شعاراً له في دورته المقبلة، ومحاولات بعض صناع الأفلام تغيير نهايات أفلام كاد ينتهي تصويرها لتلائم الثورة! ليس هذا بجديد، فقد حدث ما يشبهه قبل ستين عاماً. العديد من أفلام الأبيض والأسود في مطلع الخمسينيات، تحسم أزمات أبطالها باندلاع «ثورة يوليو»، رغم أن معظمها كانت أزمات عاطفية!
وقد نطق معظم المخرجين الجديّين بلسان واحد، ليقولوا: علينا أن ننتظر. الانتظار له غرض ظاهر هو استيعاب تجربة الثورة وهضمها، قبل تناولها فنياً. لكن خبثاء يقولون إن الانتظار قد يكون لغرض آخر، هو معرفة كيف ـــــ وإلى جانب من ـــــ سوف تستقر الأمور في النهاية. إن لذلك أبعاده السياسية، والرقابية أيضاً.
انعكس ذلك في صراع السينمائيين حول «نقابة المهن السينمائية المصريّة». فجبهة التغيير بقيادة علي بدرخان التي خسرت الانتخابات قبل أشهر بفارق طفيف (57 صوتاً) ضد مسعد فودة، قررت إسقاط النقيب بموجب «الشرعية الثورية». واعتصم أعضاؤها في مقرّ النقابة بعدما جرّب معظمهم اعتصام «ميدان التحرير». وكان فودة قد هاجم ثوار التحرير في بداية الثورة، قبل أن يبدّل موقفه قبل ساعات من تنحّي مبارك. وبين محاولات الطرفين حشد الجمعية العمومية، وحسم معركة دعاوى قضائية تشكك في شرعية النقيب، وقعت نقابة الفن السابع في أسر استقطاب حادّ لا بد أنّه سيلقي بظلاله على المنتج السينمائي في مصر ما بعد يناير 2011.
وفيما لم تعرف بعد كيفية التناول السينمائي المنتظر للثورة، المؤكد أنّ كمّاً هائلاً من خام الديجيتال، صُوّر منذ الأيام الأولى للأحداث. في أسخن لحظات الصدام، كان هناك دوماً مخرج أو مصور شاب، يسجل دقائق الثورة الأوسع تغطية في العصر الحديث. لن تخرج تلك اللقطات للنور قريباً، لأن عجلة الأحداث ما زالت تدور.
الخبر المؤكد، أن نجوم الشباك سوف يغيبون عن موسم الصيف لأول مرة منذ عقود. وإذا شهد الصيف المصري موسماً آمناً ومستقراً، فإن القاعات ستستضيف الأعمال المؤجّلة لا الجديدة، ومن أبرزها «كف القمر» لخالد يوسف، وبطولة خالد صالح، وجومانا مراد، «المسافر» لأحمد ماهر من بطولة عمر الشريف وخالد النبوي، «إذاعة حب» لأحمد فرج وبطولة منة شلبي... أما «الفاجومي» لعصام الشماع وبطولة خالد الصاوي عن حياة الشاعر المصري الشهير أحمد فؤاد نجم، فكان موسم الصيف مقرراً له منذ البداية.
ومن اللافت أن ثمّة فنانين سيترددون في عرض أفلامهم لأسباب لها علاقة بقوائم العار، وأبرزهم في موسم الصيف طلعت زكريا الذي انتهى من تصوير «الفيل في المنديل». وقد نفى مخرج الفيلم أحمد البدري ما تردّد عن كونه حذف صوراً للرئيس المخلوع من بعض مشاهد الفيلم. يذكر أن طلعت زكريا كان من حاشية مبارك، خصوصاً بعد فيلمه «طباخ الرئيس». وكان يستعد للقيام ببطولة فيلم «بنحبك يا ريس»... لكنّه الآن مشغول بتبرير تصريحاته التي اتهم فيها شباب الثورة بـ «تعاطي المخدرات وممارسة الجنس» داخل خيام الاعتصام!
لأسباب مشابهة، يصعب استباق القرار النهائي لتامر حسني الذي طرده الثوار من ميدان التحرير. المطرب الذي دافع باكياً عن الرئيس في الأيام الأولى من الثورة، ينتظر عرض الجزء الثالث من فيلمه «عمر وسلمى». أما هاني رمزي فربما لا يناسب فيلمه الجديد «سامي أوكسيد الكربون» مزاج المرحلة.