لا يمكن أن يتطرّق المهتمون بالموسيقى إلى موضوع الأغنية البديلة التي اكتسحت الساحة الغنائية المغربية، من دون الحديث عن «هوبا هوبا سبيريت». هذه الفرقة التي أحدثت ثورة حقيقية في الموسيقى الغربيّة، طرحت قبل يومين أغنية جديدة بعنوان «إرادة الحياة»، مستوحاة من قصيدة أبي القاسم الشابي الشهيرة، وأهدتها إلى شباب «حركة 20 فبراير» التي تنظّم التظاهرات الاحتجاجيّة في المغرب.هذا ليس غريباً على الفرقة التي مثّلت ـــــ منذ تأسيسها عام 1998 ـــــ علامة فارقة في ساحة الغناء المغربي، سواء من خلال مضمون نصوصها النقديّة الجريئة، أو النمط الموسيقي الذي انتهجته، ويجمع بين الكناوى والهارد روك، ما مثّل صدمة للمتلقي المغربي الذي اعتاد الموسيقى المشرقية البحتة طوال عقود.
حين تأسست الفرقة إذاً، كان المغرب يعيش حقبة من التحولات. على مستوى السياسة، عقد «حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية» تحالفاً تاريخياً مع القصر ـــــ بعدما كان قد ناضل ضدّ النظام بشراسة ـــــ ودخل تجربة التناوب السياسي. وعلى مستوى المجتمع، ظهر الكثير من الطفرات في البنيات المجتمعية، انعكست على الموسيقى التي عرفت ثورتها الخاصة. هكذا، ظهرت موجة جديدة من الموسيقيين، كان الناس ينظرون إليهم بعين الريبة، وهم يعتلون منصات «فيدرالية الأعمال العلمانية»la Fédération des oeuvres laïques في الدار البيضاء، علماً بأنّ هذه الأخيرة كانت تتولى تنظيم حفلات موسيقية لشباب اختاروا الروك والهارد روك، وأشكالاً أخرى من الموسيقى الغربية، صوتاً يعبرون به عن واقعهم.
بداية شهرة المجموعة كانت في مهرجان «البولفار» (L>Boulevard) الموسيقي. التظاهرة التي تحتضنها الدار البيضاء، تهدف إلى اكتشاف المواهب الموسيقية الشابة وتشجيعها. لكن سرعان ما ستنتشر هذه الموجة الموسيقية الجديدة بين الشباب، وتتحول إلى رمز من رموز ثورتهم على تقاليد المجتمع المغربي، بلغة هجينة تجمع بين اللهجة المغربيّة الدارجة، والفرنسية، والإنكليزية.
أولى أسطوانات المجموعة كانت قنبلة غيرت مفاهيم كثيرة. ألبوم «هوبا هوبا سبريت» (2003) رسم حدوداً جديدة للموسيقى المغربية، وغيّر الكثير قبل أن يأتي ألبوم «بلاد سكيزوفرين» (2005) الذي حوّل المجموعة إلى ناطق رسمي باسم الشباب المغاربة. وظّفت هذه الأسطوانة الواقع اليومي، لتحكي بطريقة ذكية عن علاقة الشعب بالسلطة، و«الثوابت المغربية»: انتقدت الفصام الذي يعيشه المجتمع المغربي، كغيره من المجتمعات العربيّة. وفعلت ذلك بلغة ذكية، تستخدم السخرية سلاحاً لانتقاد العقد الاجتماعية، والازدواجية في المعايير. هنا يتحوّل «القايد» صاحب السلطة إلى القايد «موتورهيد» في إشارة إلى Motorhead فرقة موسيقى الـ«هافي ميتال» البريطانية الشهيرة. جمعت أغنية «بلاد سكيزوفرين» بين أداء موسيقي ينتمي إلى مزاج الروك والهافي ميتال، وكلمات تنتقد السلطة المغربية بلغة تغرف من القاموس اليومي في المغرب. هنا نسمع «القايد» يطالب المغاربة بالتوقف عن التظاهر والاحتجاج، هذا المظهر اليومي في الكثير من مدن المغرب.
تلجأ «هوبا هوبا سبريت» إلى هذا الانصهار، أو الفيوجن، في الكثير من أغانيها. نجدها تمزج بين أصناف موسيقية عدة، مع الاحتفاظ دوماً بالروح المغربية في الأداء. فالكلمات تنتقد النفاق الاجتماعي، وتتحدث عن الهجرة، وناهبي المال العام، وآفة الدعارة، بلغة جريئة، فيما يستمد الأداء الموسيقي مرجعيات مختلفة.
أبرز وجوه الفرقة رضا علالي الذي عمل أيضاً ككاتب عمود ساخر باللغة الفرنسية في مجلة «تيل كيل» الشهيرة لسنوات. ولا تكتفي «هوبا هوبا»، فقط بإحياء الحفلات الموسيقية، بل تبدي اهتمامها الدائم بالواقع السياسي والاجتماعي. هكذا رأينا بعض أعضائها في الوقفات التي نظمتها «حركة 20 فبراير» التي أحدثت حراكاً سياسياً كبيراً في المغرب خلال الآونة الأخيرة.
موسيقى المجموعة تستلهم تقاليد موسيقية مختلفة، تراوح بين الكناوى، والروك، والهارد روك، والشعبي المغربي. هذا الخليط الموسيقي لا يجمع بينه إلا لغة تتجرأ على طرح كل الظواهر المجتمعية على بساط النقد، بكلمات ذكية لا تدخل في المباشرة. نسمع الشباب ينتقدون رجل جهاز الأمن (الدرك الملكي)، ويتحدثون عن الهجرة بقاموس الإنترنت. الشاب المغربي يريد «تحميله» إلى بلاد أخرى كأوستراليا مثل ملفّ MP3. بينما تتحول العولمة واقتصاد السوق الذي يهمّش كثيرين، ويدعوهم إلى الاستهلاك، إلى نكتة على لسان «التراباندو»، وهو المهرب الذي يتنقل بين الحدود. انتقدت الفرقة أيضاً الأعمال الإرهابية التي كانت ضحيتها الدار البيضاء، وعرّجت على الرشوة في ألبومها الأخير «النفس والنية».
أحيت «هوبا» حفلة في باريس مساء الاثنين الماضي، على أن يكون الموعد المغربي المرتقب معها مساء 25 الجاري في مدينة أغادير، يليه حفلة مساء أوّل أيار (مايو) المقبل، ضمن برنامج مهرجان «مونفيست» في ضواحي مراكش.
www.hobahobaspirit.com