جرعة زائدة من الحميمية والإرباك في التعاطي مع شيء اسمه الجسد، نستشفّها من خلال برنامج «الملتقى العربي للرقص المعاصر». يصعب أن تجد عرضاً عربياً، لا يعالج فكرة الجسد، أو يدور حولها. الرقص بحدّ ذاته سؤال عن الجسد، لكنّ التركيز على تيمة شبه موحدة، يقول لنا حقيقة كنّا نؤجّل مواجهتها: في مرآة هذه التجارب، نكتشف من جديد أننا كتلة من الأجساد المقموعة.
التجارب العربيّة التي يحتضنها Bipod بين 21 و24 نيسان (أبريل) الحالي، تكتسب أهميّة كبرى لعمر راجح وزميلته ميا حبيس. تبدو الأعمال القادمة من العراق، ومصر، وتونس، والمغرب، والجزائر، ولبنان أشبه باحتفاء جماعيّ بالربيع العربي. من مصر مثلاً، يحمل محمد شفيق عرضه «حمى» (20/ 4)، وفيه يبحث عن أشلاء مدينته المبعثرة بين الشوارع والمقاهي. ومن تونس، يأتينا «ما نحن عليه» (23/ 4) للكوريغراف رضوان المؤدب، وفيه أسئلة عن الحب والكراهية والوحدة واللامبالاة والإقصاء... قصص صغيرة خلاصتها أنّ «هويتنا هي جسدنا». من زاوية مفهومية مشابهة، تنطلق الكوريغراف التونسية/ الفرنسيّة هالة فطّومي لبناء عرضها «رقصة البياز» (22/ 4) حول الطاقة والجسد. العمل يحمل توقيع فطومي مع شريكها الفرنسي إيريك لامورو، وينوّع على نظريّة «الإغراء المثلي»، كما طوّرها المفكر الجزائري مالك شبل. الكوريغراف الجزائرية نصيرة بلعزّة، التي يتذكرها الجمهور في بيروت من خلال عرضها اللافت «صرخة»، تعود إلينا بأحدث أعمالها «الوقت المختوم» (20/ 4). هنا تسأل: ما هي إمكانات أن يتقبّل الجسد فكرة زواله؟ عمر راجح يطرح سؤالاً محرجاً آخر في عرضه المنفرد «في مواجهة الصفحة البيضاء» (22/ 4): هل باستطاعة الجسد أن يكون موجوداً ككيان مستقل من دون إسقاطات العرق والدين وسائر العلامات المسبقة؟ فيما تدعو ميا حبيس في «الحالة الدائمة لمرحلة متقلبة» (20/ 4) إلى وقت مستقطع، يتاح للجسد خلاله إدراك وجوده، وكيفية اتصاله بالآخرين. أمّا العراقي الهولندي مهنّد رشيد، فيدعو الموتى إلى رقصة للحياة مع فرقته «أجساد عراقية»، في عرض «أرق» (21/ 4). وتأخذ فرقة «سرية رام الله» عملها «ساندويش لبنة» (21/ 4) إلى منطقة يتحول فيها الإنسان وجسده إلى مجرد صورة مصطنعة أمام الكاميرا، في انتظار... ثلج من الفوسفور. برنامج الملتقى حافل بالأسئلة التي تعرّي الجماعة لتكشف أوجاع أفرادها. عروض راقصة لا يمكن فصلها عن سياق سياسي اجتماعي نفسي عام، يبدو بحاجة فعليّة إلى المزيد من الهواء والانعتاق.