موجة عالية غمرت جيل الستينيات

  • 0
  • ض
  • ض

القاهرة ــ أحمد مجدي همام رحل إدوار الخرّاط إذاً. أسلم الروح في «مستشفى الأنغلو المصرية» في الزمالك، مخلّفاً وراءه مجموعة من الروايات والقصص والكتب النقدية في الأدب والفن التشكيلي. الخرّاط الذي يعدّ أحد الرواد في الرواية المصرية، وإحدى الأمواج العالية في جيل الستينيات، كان بمثابة عرّاب لكتّاب ينتسبون إلى أكثر من جيل، بدءاً بمجايليه ومروراً باللاحقين. لقد اعتُبِر مؤسساً لحساسية جديدة طليعية في الأدب المصري والعربي. حرص الكثير من الكتّاب المصريين والجهات الثقافية على نعي الخرّاط، وهنا نرصد بعض الشهادات حول الروائي المصري الذي اختار أن يترجّل. إبراهيم عبد المجيد: أستاذي وأستاذ الجيل الروائي إبراهيم عبد المجيد بدا مختنقاً بالدموع، وهو يتحدث بكثير من التبجيل عن إدوار الخرّاط. يقول صاحب «لا أحد ينام في الإسكندرية»: «خمسون عاماً هي عمر علاقتي بالراحل. كنت صبياً صغيراً لم أنشر حرفاً، وكنت أراسله من الإسكندرية ومفتوناً به. وفي عام 1966، التقيته للمرة الأولى. كان شخصية نادرة، وعبر نصف قرن هو عمر معرفته به، لم يصدر منه أي فعل يضايقني، بل على العكس، كان دوماً مصدراً للسعادة والبهجة. ثقافياً، من ينكر فضله، وهو المبشر بالتجديد، من منا لم يفتتن بـ«محطة السكة الحديد»، و«رامة والتنين»، وهو صاحب فضل عليّ لأنه أول من كتب عني، ولم يقدمني وحدي، بل كان راعياً لكل الأجيال، كان أديباً بارعاً وإنساناً نبيلاً». طارق إمام: قدرة على الاختباء

الأساطير والرموز والأيقونات الفرعونية والقبطية مكون أساسي في أعماله
الروائي والقاص طارق إمام (1977) يقول: «أدّعي أنني أحد قراء إدوار الخراط، قرأت أغلب رواياته وعدداً كبيراً من ترجماته، وأبرز ما كتب نقدياً من دراسات تطبيقية مسحت أجيالاً متعاقبة. أحببت رواياته. انبهرت بلغته، ثم صرت أتحفظ على جاهزيتها حين كشفت قانون اللعبة بكثرة ممارستها، وعندما شعرت في لحظة بأن اللغة تصبح في مأزق عندما تسبق العالم/ موضوع الكتابة عوضاً عن الإصغاء إليه، فتصبح كل حكاية، وتغدو كل شخصية، تلخيصاً لصوت واحد على عذوبته، تنطق به بالقوة نفسها التي ينطقها بها. وأعتقد أن شكل علاقته بالعالم، الذي حدد طريقته في الظهور والتعاطي، أسهم في تأطير شكل شعبيته التي ظلت دائماً على المحك، ووسمته كثيراً بالمتعالي وقاطن البرج العاجي والانتقائي. هناك كُتّاب يذهبون إلى العالم حتى النهاية، وهناك كُتّاب يفضّلون بعد فترة أن يذهب العالم إليهم. أتحدث هنا عن الجانب الشخصي في طريقة خوض كل شخص لما ندعوه الحياة. النوع الأول يكسب تعاطفاً أكبر في الحياة ورثاء أشد سخونة عند الغياب، رغم أن حصانته تبقى على المحك وكبرياءه يظل مهدداً، لأنه يترك عند كل شخص حتى لو كان عابراً، حكاية تخصه، أو يتوهم حتى أنها تخصه. أعتقد أن صاحب «ساعات الكبرياء» اختار بعد فترة أن يكون من النوع الثاني، فلم يترك الخراط هذه الحكايات الصغيرة، إلا لقلة، لأن ظهوره الفادح كان هو نفسه، في ظني، قدرته على الاختباء». شاكر عبد الحميد: رائد الحساسية الجديدة وزير الثقافة الأسبق الناقد شاكر عبد الحميد فضّل أن يحكي عن الجوانب الفنية في مسيرة إدوار الخراط. يقول: «أبدع الخرّاط على نحو متميز في مجالات عديدة، لكن أهم إبداعاته كان في القصة والرواية، على الرغم من يقينه المبكر بأن الفروق الحاسمة بين الأنواع تلاشت، حتى إن هناك استقلالاً بين الفصول في بعض أعماله الروائية، مثل «محطة السكة الحديد» و«الزمن الآخر»، و«يقين العطش». هناك علاقة من جهة، واستقلال من جهة أخرى بين فصول تلك الأعمال. في القصة القصيرة، هناك وقفات تطول، توقِف مجرى الشعور بشكل كامل، لأنه كان يرى الأعمال الأدبية قصة ورواية وشعراً كعالم متصل ومتفاعل، بحيث يكون الأداء هو ما يميز كل نص. كما كتب دراسات متميزة في التشكيل والأدب، وتبنّى أجيالاً وترجم العديد من الأعمال الأدبية المهمة. فقد كتب عن عدلي رزق الله وأحمد مرسي في التشكيل. وكتب دراسات مهمة عن كتّاب كانوا في بدايتهم مثل إبراهيم عبد المجيد، ومحمود الورداني ويوسف أبو رية، وتبنّى مفهوم الحساسية الجديدة. وتميز إدوار بثقافة موسوعية، ومعرفة عميقة بالأدب والفن التشكيلي والفلسفة وعلم النفس، والكتابة عنده وسيلة للبحث والمعرفة والمتعة، وهي أيضاً نوع من الاحتجاج المكتوب أو الخفيّ غير المباشر على الظلم الموجود في الحياة. عالم الأحلام والكوابيس حاضر بشكل واضح في أعماله، والحلم لديه يستقطب الحكايات والشعر واللغة والأفكار والصورة، وهذا كان واضحاً في «رامة والتنين» و«الزمن الآخر» و«اختناقات العشق والصباح» وغيرها ... والأساطير أيضاً والرموز والأيقونات الفرعونية والقبطية مكون أساسي في أعماله، وهو أحياناً يتحدث عما نسميه الحلم الكوني، وهو معادل لحلم الليل والنهار ... والحلم الكوني عند الخراط هو الحرية اللانهائية. وكنت قد أجريت حواراً معه قبل سنوات أكد لي فيه أنّه يشتغل على العمل داخلياً لفترة طويلة، إلا أنه يطلقه كتابة في دفقات كبيرة في فترة قصيرة، فقد كتب «رامة والتنين» في 27 يوماً، وكتب «الزمن الآخر» في 34 يوماً. في كلامه عن الإبداع دروس وتنظيرات عظيمة، وهو مهتم بضرب فكرة الزمن الخطي الكرونولوجي والتركيز على ما يسمى الزمن السيكولوجي، ويتضح انشغاله بمفهوم الزمن في عمله «الزمن الآخر». رحيل إدوار الخرّاط خسارة كبيرة، وعزاؤنا سيكون بأعماله الباقية بيننا».

  • خلال تسلمه «جائزة نجيب محفوظ» عن روايته «رامة والتنين» عام 1999

    خلال تسلمه «جائزة نجيب محفوظ» عن روايته «رامة والتنين» عام 1999

0 تعليق

التعليقات