المنامة | المواطن البحريني الذي فارق الحياة تحت التعذيب في 12 نيسان (أبريل) الحالي، ليست قصّته مثل كل القصص. عبد الكريم فخراوي (49 عاماً) الناشر وأحد مؤسّسي جريدة «الوسط» التي جرى «تهذيبها» أخيراً، اعتقل في الثالث من الشهر الجاري على أيدي قوات الأمن البحرينية. وظل فخراوي قيد الاحتجاز إلى أن أعلنت وزارة الداخلية وفاته. ودعت منظمات حقوقية دولية عدة إلى تحقيق فوري في أسباب وفاة الناشر البحريني، وهو رابع معتقل يفارق الحياة في مراكز الشرطة في البحرين.
الذهول يلفّ الأوساط السياسيّة والإعلاميّة والثقافيّة في المملكة، فيما تستعد بيروت اليوم للعزاء بهذا الرجل الذي عرف بمسيرة حافلة بالعطاء، والإنتاج، والدفاع عن العدالة وحقوق المواطنة. كيف يُعقل أن يموت ناشط ورجل أعمال تحت التعذيب؟ لماذا أثار فخراوي كل هذا الحقد والضغينة لدى القوّة الأمنية التي استباحت البحرين برعاية سعوديّة؟ الشهيد من أصول إيرانيّة، عاش وعائلته في البحرين عقوداً طويلة وأصبحوا من أهلها. هذه الخلفيّة تستغلّها السلطة في سياق الاشتغال المتخلّف على خرافة «الصفويّة»، وهي استعادة سطحيّة وُظّفت بطرق مهووسة لتبرير سياسة التصفية على الهويّة، في سياق تصفية حسابات بين أنظمة تعسّفية خليجيّة والحكم الإيراني.
ينتمي الشهيد فخراوي إلى جمعية «الوفاق الوطني الإسلاميّة» التي تعدّ الجمعية المعارضة الأكبر في البحرين. كأي مواطن أدى دوره في تعزيز مكانة المؤسسة السياسيّة والدينيّة. من خلال شبكة «مكتبات فخراوي»، أسهم في إمداد جمهوره بالكتب التي تتناسب والتربية الدينية والروحية التي نشأ عليها التيار الديني العام في البلاد. وقد تحوّلت المكتبة إلى رافد بالغ التأثير داخل الطبقات الاجتماعية المتوسطة. كذلك قطعت شوطاً واضحاً لتوسيع نطاق عملها في عالم النشر والترجمة، ووسّع الشّهيد من أنشطتها إلى خارج البحرين. بعضُ العارفين يتحدّث عن خطّة لتوسيع أعمال المكتبة ودخولها بقوّة مجال النشر والتوزيع. وقد نظّم سابقاً جملة من الفعّاليات في هذا المجال مع «دار الأمير» اللبنانية وصاحبها محمد حسين بزي الذي تربطه علاقة خاصة بفخراوي عبّر عنها بلغةٍ واضحة في بيان نعيه للشهيد.
لا بد أيضاً من التوقّف عند إسهامه في تأسيس صحيفة «الوسط». قبل أيام من وفاته في المعتقل، تمّت «تصفية» الصحيفة تحريريّاً ودُجّنت بطريقة أمنيّة. لا تختلف العمليات التحايليّة التي استخدمت لإجهاض الخطّ «الوسطي» في الصحيفة عن عمليات الاعتداء الجسدي على فخراوي حتى الموت. كان الجلّاد ينظر إليه بوصفه عضواً في مجلس إدارة الصحيفة الناطقة باسم الغالبية المسحوقة التي أخذت ترفع الصوت خارج المسموح به.
العارفون بالشهيد فخراوي يتحدّثون عن شخصية منفتحة على أعمال البر ومساعدة الفقراء. لذلك، كان طبيعياً أن يحتفظ بمكانه في السياق الإيجابي داخل الثورة البحرينية. تفاصيل وفاته غير معروفة حتى الآن، إلا أنّ الصورة في غرفة التحقيق يمكن تخيّلها بيسر عندما تكون الضحية عبد الكريم فخراوي، قبالة جلّاد يتلقّى تعاليمه، ويتشرّب أحقاده من قادة «الثورة المضادة» في البحرين. كلّ البطش الجسدي، والعَمى الطائفي، والهمجية التاريخية انهالت على فخراوي، وتركت في ضمير شعبه ندوباً لا تمحى.
«تويتر» و«فايسبوك» كانا كفيلين بكشف حقيقة التعذيب الذي تعرّض له فخراوي، وفي سرعة قصوى انطبعت الحقيقة في كلّ مكان وتمرّدت على محاولات الطمس والإخفاء.... مقاطع الفيديو التي يلتقطها هواة من أجهزة الخلوي، هي الوثيقة الحقيقية التي تؤرّخ لما جرى ويجري في البحرين، ولن يتمكّن التاريخ الرسمي من التحريض والتزوير بعد الآن... وهذا تحديداً ما دفع ثمنه عبد الكريم فخراوي... الرجل الذي يدافع عن العلم، وينشر المعرفة، لا يمكن إلا أن يخيف الظلاميين، ويستجلب حقدهم القاتل. الناشر البحريني الشهيد هو اليوم صرخة عارمة تتوجّه إلى ضمير العالم. لا أحد يسعه أن يعوق مسيرة التطور بعد اليوم في الخليج...
يقيم أصدقاء الناشر البحريني الشهيد عبد الكريم فخراوي وزملاؤه في لبنان مجلس عزاء بين الرابعة والسادسة من بعد ظهر اليوم في «مجمع الإمام شمس الدين الثقافي التربوي» (تقاطع شاتيلا ـــــ بيروت)
مسيرة حافلة بالعطاء
«68» هو الرقم التسلسلي لعبد الكريم علي فخراوي ضمن لائحة مؤسّسي جمعية «الوفاق الوطني الإسلاميّة»، قبل أن تخرج منها قيادات مؤسِّسة لأسباب تتعلق بالخلاف على إدارة المرحلة السياسية التي جاءت بعد تخلّف الحكم عن الإيفاء بوعده في الميثاق الوطني وإقامة مملكة دستوريّة.
بقيت مكتبته مشروعه الأثير، ومنها انطلق في مجال الدراسات البحثية ورعاية الأعمال والفعّاليات الثقافيّة. تأسّست المكتبة عام 1984، وانتقلت من بيع الكتب إلى توزيعها وطباعتها وترجمتها. في نهاية 1999، دخلت مرحلة جديدة مع حصولها على مناقصة تأمين الكتب الأكاديميّة لجامعة البحرين ـــــ الجامعة الأكبر في البلاد ـــــ وجامعات أخرى. انطلاقاً من شعاره «ثقافة القراءة»، اجتهد فخراوي وراهن على التقدّم. لم يقتصر اهتمامه على الكتب الدينيّة ومؤلفات المحافظين، بل نوّع في المجالات وفتحَ قسماً خاصاً بالأطفال، وتوسّع في توفير الكتب الأكاديميّة. فضلاً عن ذلك، فقد كان توجّهه لرعاية الكتّاب البحرينيين خطوةً لافتة عدّها بعضهم اختباراً صعباً. إلا أن فخراوي اجتازه بنجاح نسبي مع تجربته المميّزة مع الباحث البحريني نادر كاظم.
أصدر هذا الأكاديمي الشاب بالتعاون مع مكتبة فخراوي كتابه «استعمالات الذاكرة»، وهو كتاب جدليّ يرصد شأن التعددية في سياق الابتلاءات التاريخية المتحيّزة. واكتسب فخراوي بهذا التعاون سمعة طيّبة في أوساط المثقفين، من غير أن يغيّر في النهج العام للمكتبة.
هذا النشاط الناجح تلاقى مع مشاركة فخراوي في تأسيس صحيفة «الوسط» ضمن عدد من الاستثمارات الصحافية والإعلاميّة الناجحة. من غير مقدمات، في وقت متأخر من ليل 12 الحالي، أعلنت وزارة الداخليّة على «تويتر» وفاة «المواطن عبد الكريم فخراوي (...) بعد مضاعفات إثر تلقيه العلاج لمرض الفشل الكلوي الذي كان يعاني منه». هذه الرواية تتناقض تماماً مع صور جثته التي ظهرت عليها آثار التعذيب الوحشي. استشهد فخراوي وهو عضو في مجلس إدارة «الوسط» التي لم تستطع أن تقول أهم ما في الوفاة، واكتفت بخبر تشييعه مع نبذة شديدة الاقتضاب عن سيرته، وإعطاء مساحة موازية للرواية الرسميّة لرحيله.
17 تعليق
التعليقات
-
رحمك الله ياشهيد البحرينرحمك الله ياشهيد البحرين والخزي والعار سيلاحق قاتليك في الدنيا قبل الاخره ان شاء الله
-
تبقى حيا ياكريمقسما تبقى لأن المولى الشهيد أراد ويسحق جلادك تحت وطئة دماءك والمداد
-
لم أعرفك ولكنني أحببتك يا شهيد..!عشت سعيداً وأستشهدت سعيداً وستبعث سعيداً فهنيئاً لك الشهادة وهنيئاً لك هذه المرتبة والتي لا يصل اليها الا من أراد الله قربهم وسيعلم قاتليك أي منقلب سينقلبون.
-
رحلت كريما وبكل فخر يا كريم فخراوي...أرادوا إخفاء الجرم بدفنك سراً ولكن شاءت الإرادة الالهية فضحهم، كان ذلك يوما أسوداً علينا يا كريم فخراوي. رحم الله من اختار اسمك يا كريم فقد رحلت كريماً يفتخر أهلك بشهادتك. نسألك اللهم بالانتقام العاجل يارب ممن ظلمنا.
-
من يخاف عبد الكريم فخراويكثيرون هم ممن يخافون الشهيد عبد الكريم العباسيون الامويون والمغول الجدد من ينسى انهار الدم التي سالت على يد العباسيين ومن قبلهم ومن بعدهم كان الذبح نصيب كل من يقف بوجه سلطان جائر مجازر يذكرها التاريخ سجون مليئة برائحة الدم والقتل وشوارع تعلق بها المشانق وجثث تسبى على الجسور واشلاء تأكلها الطيور كل هذا يذكره التاريخ ونذكره اليوم لأنه عاد بوجه بشع آخر بنفس السيف بنفس الحقد بنفس الكراهية رحمك الله يا عبد الكريم فزت ورب الكعبة وكم من عروش تحولت الى نعوش اليس الصبح بقريب
-
حاج كريميا اخي و حبيبي كريم كم كنت صديقا وفيا لي و بل لكل من مديت يدك لهم للسلام عليهم...و لكن اليد الغادر من حكام الجور من ال + ال في ضفة الخليج الذين هم اشد كفرا و نفاقا لم يردوا عليك السلام بل ارسلوك الى اعلا سلام و هو الله الواحد الاحد حشرك الله مع الصالحيين و الائمة الطاهرين...امين يا رب العالمين
-
رحم الله الشهيد"اني لا ارى الموت الا سعادة و الحياة مع الظالمين الا برما "
-
رحمك الله ورحم الله كل شهدائنا الأبرارستبقى ذكراكم خالدة لنا ، وسنسير على نهجكم...
-
حسبي الله ونعم الوكيلحسبي الله ونعم الوكيل على كل ظالم ...الله ياخذ حقك وحق كل شهيد.. فاز الشهيد ونال العز والشرف...
-
هنيئا لشهدائنا فاز الشهيدواهنيئا لشهدائنا فاز الشهيدوا ونال العز والشرفي
-
في البحرين فقطيتم تعذيبفي البحرين فقط يتم تعذيب الشرفاء و تلفيق تهم لهم بعد استشهادهم ليرحمك الله أيها المجاهد لقد كانت مكتبة فخراوي أولى منابع العلم و الثقافة التي نمت عقولنا و اهتمت بطفولتنا وشبابنا و شيبتنا الفاتحة لروح السعيد الشاب
-
نتمنى لو يتم الاعلان عننتمنى لو يتم الاعلان عن الاضراب عن الطعام الذي يقوم به عدد كبير من الاشخاص في البحرين لنصرة جميع المعتقلين السياسيين ولوقف الاعتداء على حقوق الانسان في البحرين الموقع الرسمي للاضراب http://hungerstrike4bh.tumblr.com/
-
ابياتعشت في الدنيا كريماً ورحلت منها كريـماً
-
فاز الشهيييد ونااال العزفاز الشهيييد ونااال العز والشرف .. هنيئا لك ..
-
فاز الشهيد ونال العز والشرفذهبت يا حاج كريم إلى الملك العادل الذي سيقتص لك من قاتليك .. وكل الجراحات والكدمات التي يحملها جسدك الطاهر لهي دليل واضح وشاهد عيان على ما تعرضت له من تعذيب وحشي لا يمت للإنسانية بصلة على يد السلطات البحرينية .. فزت بالشهادة وزدتنا إصرارا على مواصلة المسير لنيل مطالبنا العادلة .. إلى جنان الخلد يا فخراوي
-
رحمك الله يا شيهيدنارحم الله شهداء البحرين ، الشعوب باقية و الحكام إلى زول بإذن الله
-
كريم الفخريا ملائك الأشجان في جادة السماء // دري من فيضــك بدمعــــةٍ ساكبــــة فها كريم الفخر في جنــة السمــاء // أفاض من روحــه معطـــراً بالطهـــارة فهنا نام قريرا في صحبة الشهــداء // ...أسري من همسـك لسائليه بالبــراءة هنيا أيتها الأرواح في روضة الأنبيـاء // لصحب من أخاك متوجــــاً بالشفاعـة وأيتها الندى الفضفاضة في قطرة الماء // مري في غمــرك لتمسحيــه بالنقــاوة ويا عيـن الريــاح في بـؤبـؤة الأنــواء // أرخي من هواك لتغمريــه بالراحـــــة قد مات الحــر في زنزانــة الجبنــاء // يرمي لقـــاء الله لتصحبـــه الملائكـــة (في رثاء الأخ والصديق الشهيد البحريني أبو زهراء الحاج كريم فخراوي رحمه الله)