استشهادُ شيخ المصورين القطريين علي حسن الجابر في ليبيا يحتاج إلى التوقف عنده. من واجب «الجزيرة» الإجابة عن أسئلتنا لتؤكد أنّ استشهاد الجابر لم يكن لإهمال أو استهتار مهني. أوّلُ هذه الأسئلة يتعلّق بنوعية التدريب الذي تلقاه في مواقع التصوير المحاطة بجَوٍّ عَدائي. المعروف لدى المؤسسات الإعلامية الدولية أن هناك أموراً ينبغي التنبّه لها لدى من يشارك في تغطية الحروب. وهناك دورات تدريبية تحيط المشاركين علماً بكيفية التعاطي مع الأحداث التي قد يواجهونها.
السؤال الثاني يتعلق بطبيعة التوجيهات الإدارية إلى الموظفين أثناء تغطية الحروب. موافقة المؤسسات الإعلامية على تغطية فريق ما لحرب من دون أخذ الاحتياطات اللازمة، تشي بأنها حريصة على نيل السبق في نقل الخبر أكثر من حرصها على سلامة ناقله. شعارٌ مثل «خاص بالجزيرة» بات من علامات الجودة التي تتنافس كل المؤسسات الإعلامية على بلوغه بأيّ ثمن حتى لو كان غالياً مثل ما جرى مع الجابر.
المسألة الثالثة هي طبيعة الحماية التي رافقت الفريق الذي كان الشهيد أحدَ أفراده. ما رأيناه أثناء تغطية الثورة يظهر أن لا أحد من مراسلي «الجزيرة» العربية ارتدى الملابس المخصصة للحماية كالخوذة أو السترة المضادة للرصاص. هذه الملابس باتت جزءاً من عمل الإعلامي في البيئات الحربية. وهي أيضاً أداة تعريف به باعتبارها تبيّن أنها خاصة بالعاملين في الإعلام الذين تحرّم القوانين الدولية التعرض لهم.
لكنّ المتابع لتغطية «الجزيرة» العربية يعلم أنّه لا أحد من مراسليها ارتدى تلك الملابس إلا بعد أكثر من عشرة أيام على استشهاد زميلهم. وهذا يجعلنا نتساءل إن كانت «الجزيرة» جادة في توفير الحماية لموظفيها قبل أن يتعرضوا لحادث سوء، في مقابل ما تزعمه من وفاء بحقّ أبنائها بعد رحيلهم. وما يثير الدهشة أنّ طواقم عمل «الجزيرة» الإنكليزية ظهروا في كامل عدتهم منذ بدء الثورة، لا بعد استشهاد الجابر. وقد علمنا من زملاء في القناة الإنكليزية أنّ مراسليها لا يتحركون إلا برفقة حراس مسلحين ومتخصصين في حماية الشخصيات.
توافر هذه الإمكانات للعاملين في القناة الإنكليزية مقابل انعدامها لدى مراسلي القناة العربية يجعلنا نتساءل عن طبيعة تعاطي إدارة الشبكة مع موظفيها، وما إذا كانت ثمة تفضيلات معينة تمليها حسابات الجنسية والانتماءات العرقية. فلو كان المراسل الذي لقي حتفه تابعاً لدولة غربية، لما توقف الأمر عند مهرجانات الوفاء، بل تعداه للمساءلة القانونية من أهله ودولته عما وُفِّر من الشبكة لحمايته.
وحقيقة أن لا أحد من أفراد طواقم «الجزيرة» العربية امتلك تلك المعدات والملابس في عمله المحاط بالخطر إلا أخيراً، قد تشير إلى نوعية تفكير إدارة الشبكة في تعاطيها مع الإنسان العربي ـــــ المسلم مقابل نظيره الغربي. بمجرد أنهم افتقدوا المعدات والحماية، يصبح صعباً تفسير الأمر على غير الشاكلة التي تقترح بأنّ العقل الباطن لدى الجهاز الإداري يميّز بين العاملين فيها وفق الثمن الممكن دفعه في حال حصول حادث شبيه باستشهاد رئيس قسم التصوير (القطري ـــــ المسلم).
وإذا صحّ هذا التفسير، فإن تلك من أكبر المصائب. ذلك أن الشبكة التي تقف في صفّ أصحاب الثورات ضد أنظمتهم الظالمة من ناحية التغطية (وإن زعمت الحياد)، فإنها حاضرة في المربع نفسه لأنظمة الحكم التي تعمل تلك الشعوب على إسقاطها. أكبر جريمة ترتكبها تلك الأنظمة أنها انتزعت من مواطنيها إحساسهم بالمواطنة وأعدمت لديهم الأمل بتكافؤ الفرص بغضّ النظر عن انتماءاتهم. ومُجدداً، إن صَدَقَ ذلك التفسير، فهذا يعني أن شبكة «الجزيرة» نفسها تحتاج إلى ثورة مشابهة لتلك الثورات بحيث يتغير النظام بكلِّ رُموزه ليحلّ محله نظام يمثل أبناء تلك الشبكة ويديرهم بميزان العدل والسواسية.
* إعلامي وسينمائي قطري