قبل أن يتنحى مبارك، وقبل ثلاثة أيام من البيان الشهير والقصير لعمر سليمان، وقّع عدد من المثقفين المصريين بياناً يطالب بتغيير اسم جائزة مبارك التي كانت تمنح سنوياً في مجالات الفنون والآداب والعلوم الاجتماعية. وكان لافتاً يومذاك وجود اسم بهاء طاهر وهو أحد حائزي الجائزة (2009) في صدارة قائمة الموقعين على البيان. وكان صاحب «الحب في المنفى» قد أعلن تنازله عن الجائزة، احتجاجاً على الوحشية التي قوبل بها المتظاهرون ضدّ النظام...
استجاب النظام الجديد، وقرّر مجلس وزراء عصام شرف تغيير اسم الجائزة إلى «جائزة النيل». لكنّ الجدل المتوقع حول ذلك القرار ــــ وهو جدل مرحّب به بصفة عامة ــــ لم يقتصر على الارتباك الذي قد يسببه الاسم الجديد، وهو مشابه لاسم الوسام الأرفع في مصر «قلادة النيل العظمى»، بل امتد ليطال الجدوى من استمرار الجائزة نفسها.
لا تختلف القصة هنا، عما هي عليه الحال في مختلف الديكتاتوريات العربية. حسب رواية بعض العارفين من داخل وزارة الثقافة المصرية، كان «النيل» الاسم الأصلي للجائزة عند اقتراحها في نهاية التسعينيات. وعندما انتقل الاقتراح إلى البرلمان، تحول الاسم تحت رعاية «الحزب الوطني الحاكم» سابقاً إلى «جائزة مبارك». وبالطبع لم يعترض البرلمان، ولم تعترض وزارة الثقافة، وقبل ذلك وبعده مؤسسة الرئاسة، إذ لم يكن مستهجناً بالنسبة إليهم أن تخصص جائزة باسم الرئيس المصري. لطالما حفل العالم العربي بجوائز تحمل أسماء الأمراء والشيوخ والملوك، ربما مع فارق (بسيط) أنّ مشايخ الخليج يخصصون عائد الجوائز من «مكرماتهم». أما جائزة مبارك فتدفع قيمتها المالية من «أموال الشعب»!
ولأن «جائزة مبارك» كانت منذورة لتكون أرفع الجوائز في مصر، ولأن ذلك الهدف لم يكن مضموناً من الناحية المعنوية والثقافية، فقد تقرّر أن تكون الأرفع مادياً. وجرى جمع قيمة جائزة الدولة التقديرية والتشجيعية وجائزة التفوق معاً، ثم أضيف إليها 50 ألف جنيه لتصبح القيمة النهائية لـ«جائزة مبارك» 400 ألف جنيه مصري، أي حوالي 70 ألف دولار. وهذا قبل سنوات طويلة من تأسيس جائزة «بوكر العربية» الممولة خليجياً، التي لم تتجاوز قيمتها 50 ألف دولار.
لم يكن «الشعب» بحاجة إلى جائزة مبارك. فقد تضاعفت في الفترة نفسها قيمة جميع جوائز الدولة. فارتفعت «الجائزة التشجيعية» من عشرة آلاف جنيه، إلى عشرين ألفاً ثم خمسين ألفاً، وكذلك تضاعفت «الجائزة التقديرية» من خمسين إلى 200 ألف جنيه. واستحدثت «جائزة التفوق» التي خصص لها مئة ألف جنيه مصري، علماً بأنّ كل واحدة من تلك الجوائز تمنح في العديد من الفروع، ما يعني ميزانية سنوية بملايين الجنيهات على طريقة الهرم المقلوب. في المقابل، تعاني مراكز وقصور الثقافة على امتداد مصر من التقتير الشديد، وضغط النفقات والإهمال. لكنّ شباب قصور الثقافة لم يكونوا يوماً همّ وزير الثقافة الأسبق فاروق حسني، فهذا الأخير كان شغله الشاغل كيفيّة إدخال مثقفي مصر ومبدعيها المكرسين إلى «حظيرة» السلطة التي تفتّقت عبقريّته عن إنشائها.
كان المثقف والكاتب العربي دائماً وأبداً بحاجة إلى الدعم المادي. من هنا، تخصيص الجوائز لدعم المثقفين مسألة مطلوبة. لكنّ «جائزة مبارك» بدت غير ضرورية. كانت تغني عنها جائزة الدولة التقديرية، ولذلك لم يكن مستغرباً أن عدداً ممن حازوا جائزة مبارك منذ إنشائها عام 1999، كانوا ممن حصلوا فعلاً على جائزة الدولة التقديرية، على رأسهم نجيب محفوظ، وبهاء طاهر، وعبد الرحمن الأبنودي. وزد على ذلك، أنّه كما كانت «التقديرية» في كثير من الأحيان وسيلة لمنح من لا يستحق تحت غطاء من يستحق، كانت «جائزة مبارك» كذلك. فمن المفارقات أن آخر من حازها في سلك العلوم الاجتماعية كان الدكتور مصطفى الفقي، سكرتير الرئيس السابق، والمرشح ــــ المرفوض شعبياً ــــ لمنصب الأمين العام لجامعة الدول العربية.
تخمة الجوائز التي كانت تعانيها وزارة الثقافة، ويتحملها المال العام، أضعفت كثيراً من رواية «النفاق الذي غيّر اسم الجائزة»، لتشير إلى أنّ الجائزة استحدثت مباشرة لتخليد اسم رئيس لم يعرف عنه يوماً أي اهتمام خاص بالثقافة. ولم تكن خطاباته على كثرتها تحفل بأي استشهاد بمفكّر أو كاتب أو بيت شعر، ولم يضم إلى حكوماته أي مثقف كبير، واقتصرت علاقته بالثقافة على افتتاح معرض الكتاب السنوي، والحديث «إلى» المثقفين وليس معهم. حتى أنّه لم يحاول أن يدّعي اهتماماً بالأدب على شاكلة القذافي وصدام حسين. فلم يتحفنا ــــ لحسن الحظ ــــ برواية تحمل توقيعه، على غرار «القرية القرية الأرض الأرض» و«اخرج منها يا ملعون».
ستستمر الجائزة إذاً تحت مسمّى «جائزة النيل»، وبالقيمة المادية نفسها... لكنّها ستكتسب زخماً إضافياً، في ظل إعادة الهيكلة المنتظرة في مؤسسات الدولة ومنها وزارة الثقافة. وفي ظلّ سعي بعض المثقفين إلى جعل «المجلس الأعلى للثقافة» (الجهة المانحة للجوائز)، مؤسسة مستقلة. عندها لن تكون الجوائز إحراجاً لحائزها أو نيلاً من صدقيته. ولن يضطر صنع الله إبراهيم إلى رفض أي جائزة... لكن ذلك كله، يتوقف على نجاح المثقفين في تحمل مسؤولياتهم كاملة للمرة الأولى بعد رحيل النظام.



سكرتير الرئيس


في مجال الأدب، كان آخر الفائزين بـ«جائزة مبارك» العام الماضي الروائي عبد الرحمن الأبنودي (الصورة)، سبقه إلى ذلك بهاء طاهر، ورجاء النقاش... وفي مجال الفنون، منحت عام 2010 لمصطفى حسين، وكان الراحل يوسف شاهين قد حازها عام 2007. أمّا في ميدان العلوم الاجتماعية، فكان آخر الفائزين بها، قبل أن تصير «جائزة النيل»، هو... مصطفى الفقي سكرتير الرئيس!