الرباط| يسمّي نفسه Don Bigg لأنّه ضخم. الجدل الذي يثيره في الساحة الموسيقية المغربية ضخم أيضاً، خصوصاً بعد السجال المحموم الذي أشعلته أغنيته الأخيرة «ما بغيتش» (لا أريد). دخل مغني الراب المغربي الشهير توفيق حازب (اسمه الحقيقي/ 1983) من خلال هذه الأغنية، صف «أعداء التغيير في المغرب». هذا على الأقلّ رأي جزء من متتبعي أعماله الموسيقية، منذ عام 1997. كأنّ ابن الدار البيضاء تحوّل بنظرهم إلى رمز لمن تأخذهم طرقات الشهرة إلى موقع مناقض لمبادئهم المعلنة.
خرج «دون بيغ» إلى الضوء حين كان في الرابعة عشرة. كانت الساحة الموسيقية في المغرب حينها، تعيش تحت تأثير تيار «نايضة» الموسيقي. وتعني كلمة «نايضة» باللهجة المغربية الحركة، واختارها أصحاب هذا التوجه للدلالة على موجة موسيقية ذوقية، تريد التمرّد على كلّ ما هو سائد، وجامد. نشأ هذا الحراك مع بداية الألفية الثالثة، وواكبته مهرجانات «أندرغراوند» عديدة، استقطبت عشرات آلاف الشباب التواقين إلى الحرية.
خلال مسيرته، أطلق ابن كازابلانكا أغاني لم توفر في نقدها أيّ مظهر من المظاهر الاجتماعية البائدة، بلغة تنهل من قاموس الشارع وشتائمه. سرعان ما استهوى هذا «الرابر» الجريء الشباب، بكاريزما عالية، ونبرة منحته لقب «الخاسر» (أي الذي يستعمل لغة الشارع). رغم الشهرة التي حققها، لم يصدر «دون بيغ» ألبومه الأول إلا عام 2006، تحت عنوان «مغاربة تالموت» (أي مغاربة حتى الموت). كانت باكورته تلك انعطافة في تاريخ الراب المغربي، لأنها تحولت إلى ظاهرة تجارية حقيقية، وجعلت من «دون بيغ» نجماً كبيراً.
ينسب الرابر الشهير نفسه دوماً إلى «الحي المحمدي»، أحد أشهر أحياء مدينة الدار البيضاء، حيث تألّفت مجموعة «ناس الغيوان» الأسطورية. أنجز الـBigg أعمالاً انتشرت بكثافة بين الشباب الثائر على الأوضاع الاجتماعية. واشتهرت أغانيه كـ«بلادي بلاد»، و«باركا من الخوف» (لنتوقف عن الخوف) التي تحدث فيها عن ضرورة القطيعة مع الخوف من السلطات الأمنية والحكومية.
لكن... لكل حلم جميل نهاية، فقد تحول الرابر الثائر إلى ظاهرة تجارية، وضيف دائم على برنامج المهرجانات الحكوميّة. حتى القنوات التلفزيونية الحكومية دعته إلى الغناء عبر أثيرها. وكان المقابل أن يتوقف الموسيقي الشاب عن لغته «الخاسرة»... لاحقاً، أنشأ شركته الخاصة، وراح ينتج أعمال الجيل الجديد في ميدان «الراب» المغربي.
الزواج بين الـBigg وعشّاقه ليس أبديّاً، وهذا ما أثبته ألبومه الثاني «أبيض وأكحل» (2010). صحيح أنّ المضمون جاء أكثر احترافية من الناحية التقنية، لكنّ الكلمات صارت أقل جرأة، وحدّة.
أما الطلاق الفعلي بين الدون وجزء كبير من جمهوره، فوقع بعد أغنيته «ما بغيتش» التي أطلقها بعد حراك 20 شباط (فبراير). ويقول فيها إنّه لا يريد أن يمثل البلاد «البراهش وكالة رمضان لعب، والّلحايا اللي بغاو يكفرو الشعب» (الأطفال الذين يلعبون بأكل رمضان، وأصحاب اللحى الذين يكفرون الشعب). هذه الجملة أثارت كثيراً من الانتقادات للمغني، ورآها تيار عريض شتيمة لحركة 20 فبراير. مئات التعليقات على الإنترنت والمدونات توجهت بالانتقاد لـ«دون بيغ»، تنعته بالانبطاحية والتملق للسلطة، خصوصاً أنه أنهى الأغنية بشعار المملكة «الله الوطن الملك».
لكنّ «دون بيغ» سارع إلى إصدار تسجيل على «يوتيوب» دافع فيه عن مواقفه: «أتحدث عن التعليم والبرلمان، وعن المستوى الهابط، وانتقدت فقط جزءاً من الحركة وهم المفطرون في رمضان» يقول. والمقصود هنا حركة «مالي» التي دعت قبل سنتين إلى تعديل القانون الجنائي، وإلغاء العقوبات السالبة للحرية التي يتعرض لها المفطرون في رمضان. أما أصحاب اللحى فهم جماعة «العدل والإحسان» الإسلامية.
رسالة الـBigg وصلت إلى منتقديه. لكن الأغنية مثّلت القطيعة مع عدد من معجبيه. أحد المدونين نشر بالفرنسية: «لم يكن أخي يعتقد أن مغني الراب المفضل لديه سيشتمه بكلمات نابية. Bigg تعثَّر وسقط القناع».