القاهرة | يقول عنوان الخبر «وقف بث قناة دريم 1 والسبب...». تتحرك عينا القارئ مع العنوان لكنه ينتهي هنا عند كلمة «والسبب». كأنّ السطر انتهى فجأة أو كأنّها أحد أسئلة اختبارات «أكمل مكان النقاط». نقرأ عنواناً آخر «مصدر في الصحة يكشف عدد قتلى العبارة الغارقة». مرة أخرى، تواصل العين رحلتها مع العنوان فقط لتكتشف أنّه انتهى، هكذا بلا معلومة مفيدة ومفادها «العدد» المذكور، هل هو 10 أو 20 أم أكثر.
«العنوان الصحافي» بالتعريف عبارة «تلخّص الخبر وتبرز رسالته الجوهرية». كان يفترض إذاً بعنوان خبر العبّارة أن يقول «مصدر في الصحة: 38 قتيلاً في حادثة العبارة». وكان يفترض بخبر «قناة دريم» أن يكون مثلاً «وقف بث «دريم» لصعوبات مالية»، خصوصاً أنّه ينبغي للعنوان – أي عنوان- أن يُفهم بذاته، من دون قراءة الموضوع نفسه الذي يهب القارئ التفاصيل لا المعلومة الجوهرية. أما في الصياغتين المحيّرتين اللتين تم استخدامهما فعلاً حول «دريم» وغرقى العبّارة، فقد بديا أقرب إلى «الفوازير» التي تسيطر أكثر فأكثر على عناوين الصحافة في ثوبها الإلكتروني.
إذا كانت للعنوان وظيفة «جذب القارئ إلى الخبر»، فقد باتت تلك الوظيفة «ضرورة حياة» بعد انتشار المواقع والبوابات الإلكترونية، حيث يحيا الموقع أو يموت بضغطات القراء التي تسمى بلغة الصحافيين «الترافيك»، و»الضغطة» التي نشأت بالطبع بعد سيطرة مواقع التواصل الاجتماعي على عالم الويب.

منافسة لإرغام القارئ على الضغط على رابط الخبر
لم يعد القارئ ـ كما في عصر ما قبل فايسبوك ــ يصحو من نومه، فيفتح موقع «الأهرام أو «رويترز» أو «نيويورك تايمز». صار يستيقظ على فايسبوك وتويتر، ويستعرض الروابط التي تتحرك على حائطه، ويختار «الضغط» على أحدها لزيارة هذا الموقع/ الخبر أو ذاك.
قد لا يعلم كثير من المستخدمين أنّ عدد «اللايكات» أو التعليقات على هذا الخبر أو ذاك لا يفيد الموقع/ الخبر فعلاً، بقدر ما تفيده «الضغطات/ الكليكات» على رابط الخبر. تلك «الضغطات» التي لا يعرف عددها الحقيقي إلا المسؤولون عن الصفحة/ الموقع، على عكس «اللايكات» التي تظهر للجميع. هذا التنافس من أجل «الضغطات» غيّر بالتدريج وظائف العنوان الصحافي والمهارات المطلوبة في صائغيه.
ليست مهارة جذب القارئ هي الوحيدة المطلوبة في صائغ العنوان الصحافي، ولا قدرته على الاختصار والتكثيف فحسب، بل أيضاً قدرته على أن يعكس السياسة التحريرية لمؤسسته وطابعها.
فحتى لو كان العنوان ملخصاً مكثفاً دالاً، فينبغي أن يظلّل كل ذلك بمستوى آخر يجعل العنوان رصيناً أو شعبياً، جاداً أو ساخراً، شارحاً أو ملمحاً... حسب طابع المؤسسة التي يتنوع فيها ـ مثلاً ـ عنوان «الأهرام» عن «الوفد» عن «الدستور» (في زمنها القديم) عن «روز اليوسف» وهلم جرا.
كل هذه المهارات اختُصرت ـ مع تنافس المواقع الإخبارية على جمهور مواقع التواصل الاجتماعي ـ إلى مهارة واحدة، هي القدرة على «إرغام القارئ» على الضغط على رابط الخبر، بعدم منحه الحد الأدنى من البيانات المنوط بها العنوان الصحافي. هكذا صار الدارج عناوين من قبيل «حقيقة وفاة فاتن حمامة»، «الأرصاد تكشف حقيقة تعرض مصر لموجة حارة»، «مصدر أمني يوضح حقيقة انفجار روكسي»... عناوين أكثر ما يجمع بينها هو كلمة «حقيقة»، رغم أنّها لا توضح أي حقيقة، إلا بعد الضغط على الخبر.