صنعاء | «إن شباب الثورة استولوا على مبنى رئاسة الوزراء، واستحوذوا على وثائق مهمة، ويعملون على القبض على الجنود الذين أطلقوا عليهم الرصاص، وسيقدمونهم لمحاكمة ميدانية». كان هذا الصوت يخرج من شاشة «الجزيرة» آتياً من صنعاء أثناء التغطية المباشرة التي كرّستها الفضائية القطرية لـ«مجزرة» يوم الأربعاء الماضي. كانت مذيعة «الجزيرة» مشدودة لما يقوله الصوت الآتي من «أرض المعركة»، وكان يُفترض أنّه لعبد الله محمد، أحد شباب الثورة الذي تتواصل معه «الجزيرة» باستمرار، بالتنسيق مع طاقمها المتوقّف عن العمل في صنعاء.
«أرى أمام عينيّ عشرات المضرجين بالدماء، وأرى قتلى لا يمكن إحصاؤهم. إنّها تكاد تكون مجزرة». يصمت الصوت قليلاً قبل أن يتابع: «هل تسمعين أصوات الرصاص؟». تجيبه المذيعة المدهوشة بأنّها لا تسمع شيئاً. لكنّ الصوت يتابع: «أرجو أن تكون كاميرا «الجزيرة» هنا لتوثيقهم». تقاطعه هذه المرّة شارحة الأسباب التي تعوق وجود القناة في الأراضي اليمنية بعد إغلاق مكتبها في صنعاء وختمه بالشمع الأحمر. ثم تتركه يواصل الكلام: «نخشى أن يكون هذا الطاغية علي عبد الله صالح قد فرّ من القصر الرئاسي».
لكن في الحقيقة، لم يكن هذا الصوت المتحدث من «أرض المعركة» للشاب عبد الله محمد، بل للسكرتير الإعلامي للرئيس اليمني أحمد الصوفي الذي يتولّى مهمة الدفاع عنه وعن نظامه في مختلف الفضائيات.
هي خدعة أخرى إذاً يبتكرها المطبخ الإعلامي التابع لنظام صالح، وقد انطلت على «الجزيرة»مجدداً (راجع الكادر). الملاحظ هذه المرّة أن الخدعة ساذجة، وكان يمكن مذيعة «الجزيرة» كشفها بسهولة من خلال تمييز صوت سكرتير صالح الإعلامي المألوف الذي يتكرر بنحو شبه يومي في تغطية القناة المستمرة للثورة اليمنية، إضافة إلى مسألة وضوح المكالمة التي بدت أنّها تجرى من غرفة مغلقة لا من وسط ساحة تحيط بها أصوات طلقات نارية وهتافات شباب ثائرين.
فوراً، بعد انتهاء المكالمة، صرّح هذا السكرتير للموقع الرسمي لـ«حزب المؤتمر الشعبي» الحاكم في اليمن أنّ «الجزيرة» اتصلت به «عن الطريق الخطأ»، معتقدة أنه من شباب الثورة. وقال: «اتصلوا بي مرتين على أساس أنّي عبد الله محمد، فاضطررت إلى مجاراتهم، وقدمت لهم ما احتاجوا إليه من أكاذيب وأباطيل».
وأكد الصوفي أنه يحتفظ بالتسجيل كاملاً، واعداً ببثّه على الإنترنت وبعض الفضائيات. بدورها، اكتفت القناة القطرية بكتابة عبارة على شريطها أسفل الشاشة يفيد بأنّ «السكرتير الإعلامي للرئيس علي عبد الله صالح يقرّ بانتحاله صوت أحد شباب الثورة في اتصال مع القناة».



الفخ السابق

بعد قرار الرئيس اليمني علي عبدالله صالح «بإسكات الجزيرة»، بدأ فريق المكتب الإعلامي للحزب الحاكم بحياكة المؤامرة التي أدّت إلى إقفال مكتب القناة في اليمن خلال الشهر الماضي. وبهدف إبعاد «الجزيرة» عن تغطية يوميّات الثورة من دون أن يبدو قرار الإقفال تعسفياً، تمّ إرسال إلى مكتب القناة في صنعاء قرص يضمّ تسجيلاً لمشاهد تعذيب معتقلين في أحد السجون العراقيّة على أنّها تجري في السجون اليمنيّة. لم يدقّق العاملون في المكتب في محتوى التسجيل سامحين للحيلة بالإنطلاء عليهم. وحالما تمّ بث التقرير، صدر القرار بإغلاق مكتب القناة «لمواصلتها سياسة التضليل الإعلامي تجاه اليمن».