كان | مع دخول «مهرجان كان السينمائي» أسبوعه الثاني، بدأ سباق التوقعات والمراهنات على الأفلام الأوفر حظّاً في نيل جوائز الدورة 64. ويتضمن برنامج الأسبوع المقبل العديد من الأفلام البارزة التي ينتظرها النقاد وجمهور المهرجان بفضول وشوق، (بيدرو ألمودوفار، ولارس فون تراير، وتيرينس مالك، وآكي كوريسماكي...)، والتي ستحمل بالتأكيد الكثير من المفاجآت السارة والمخيبة، ما يجعل من المبكّر قليلاً التكهن بمن سيخطف «السعفة الذهبية». لكن رواد الكروازيت اعتادوا إطلاق هذا النوع من «التقويم المرحلي» في منتصف المهرجان.لم تخيب أفلام النصف الأول من الدورة الآمال، وخصوصاً لجهة البرهنة على أنّ الفن السابع تجاوز تبعات الأزمة المالية العالمية التي ألقت بظلالها على الإنتاج السينمائي خلال المواسم الثلاثة الماضية. برز ذلك من خلال حضور كوكبة مهمّة من كبار صنّاع السينما العالمية. في المسابقة الرسمية، أطلّ ثلاثة سينمائيين نالوا سابقاً السعفة الذهبية (لارس فون تراير ــــ ناني موريتي ــــ الأخوان داردين)، فضلاً عن أسماء أخرى مرموقة ما زالت تنتظرها، لكنها نالت عدداً من جوائز المهرجان الأخرى، ويمثّل حضورها الدائم هنا ملح الكروازيت (بيدرو ألمودوفار ــــ آكي كوريسماكي ــــ نوري بيلج سيلان ـــ ناوومي كاواسي...).
أما خارج المسابقة، فنجد أيضاً أعمالاً عدة تحمل تواقيع سينمائيين بارزين، من وودي ألن (فيلم الافتتاح «منتصف الليل في باريس» أحد أفضل أعماله منذ «هاري في كل أحواله» 1997)، إلى غس فان سانت الذي قُدِّم جديده «توتر» في افتتاح تظاهرة «نظرة ما».
إلى جانب حضور كل هؤلاء الكبار الذي يجعل من الدورة الحاليّة أحد أخصب مواسم «كان» منذ مطلع الألفية الجديدة، يمكن تلخيص حصيلة هذا الأسبوع الأول في ثلاث نقاط أساسية: هناك سمة غالبة تتمثل في سطوة السينما النسائية («الأخبار»، 14 أيار/ مايو 2011)، من خلال ثلاثة أفلام نسائية باهرة عُرضت حتى الآن، في انتظار فيلم رابع لليابانية ناوومي كاواسي. أما النقطة الثانية فهي مفاجأة باهرة حملتها التشكيلة الرسمية، وتتمثل في فيلم «مايكل» الذي ينافس على «السعفة»، وأيضاً على «الكاميرا الذهبية»، لكونه العمل الأول لمخرجه النمساوي ماركوس شلينزر. وأخيراً، فيلمان يستحق كل واحد منهما «السعفة الذهبية» بإجماع النقاد هنا، هما «صبي الدراجة» للأخوين داردين، و«لدينا بابا» لناني موريتي.
الأفلام النسائية الثلاثة التي خطفت أضواء المهرجان في أيامه الأولى، حملت معها مفاجأتين عُدّتا ضمن أبرز محطات النصف الأول من هذه الدورة. لعل أبرزها الأداء الباهر للنجمة الإسكتلندية تيلدا سوينتون في فيلم «يجب أن نتحدث عن كيفن» لمواطنتها لين رامسي، ما جعل النقاد يجمعون ـــــ في ضوء ما عُرض حتى الآن ـــــ على أن جائزة «أفضل ممثلة» لا يمكن أن تفلت من هذه الفنانة الإشكالية القادمة من عالم التشكيل، التي تجسّد نموذجاً فنياً مناقضاً تماماً للصورة النمطية للنجومية الهوليوودية.
من جهته، حمل فيلم «بوليس» للفرنسية مايوان مفاجأة مماثلة، لكن على صعيد الأداء الذكوري، إذ بهر نجم الراب الفرنسي جوي ستار (فرقة NTM الشهيرة) جمهور الكروازيت بأدائه في دور مفتش شرطة الآداب الباريسية. إلى جانب الموهبة التمثيلية التي برهن عنها الفنان المشاغب الذي سبق أن شتم الشرطة في إحدى أغنياته، كان تقمّصه دور شرطي مفاجأة صادمة لجمهوره من شباب الضواحي. فهؤلاء يحملون مشاعر عداء مزمنة تجاه الشرطة الفرنسية، على خلفية التجاوزات العنصرية المتكررة التي أدّت مثلاً إلى إطلاق شرارة انتفاضة الضواحي الباريسية في خريف 2005.
بعض النقاد رشّح جوي ستار لجائزة أفضل ممثل. لكن الفيلم/ المفاجأة «مايكل» للنمساوي ماركوس شلينزر، سرعان ما نسف هذه التوقعات. الممثل النمساوي مايكل فويث الذي يؤدّي فيه دور وحش بشري يعتدي جنسياً على صبي قاصر ويحتجزه في قبو بيته، أثار موجة عارمة من التصفيق، رغم القتامة الشديدة التي يتّسم بها العمل، والسمات السلبيّة والمنفِّرة للشخصية التي تقمّصها.
هذا الفيلم الذي يعدّ باكورة مخرجه، لم يخيّب الوعود التي أطلقها المفوض العام للمهرجان، تييري فريمو، غداة إعلان برنامج هذه الدورة، إذ قال إنّ الرؤية الإخراجية المحكمة التي يتّسم بها هذا العمل ــــ رغم موضوعه الإشكالي وأجوائه القاتمة ــــ ترشحه ليكون محطة بارزة في التشكيلة الرسمية هذه السنة. وبالفعل، تتوقع غالبية النقاد أن ينال هذا الفيلم «الكاميرا الذهبية» المخصصة للأعمال الأولى المشاركة في مختلف برامج المهرجان، بينما يرشحه بعضهم لجائزة أكثر أهميّة، قد تكون «أفضل إخراج».
إلى ذلك، في نهاية الأسبوع الأول من «كان»، استطاعت التشكيلة الرسمية أن تطمئن جمهور الكروازيت إلى أن هذه الدورة لن تكون معدمة، في ما يتعلق بالسباق على «السعفة الذهبية»، كما كانت عليه الحال في العام الماضي، إذ لم يبرز أي عمل يحظى بالإجماع، ما أدى إلى مفاجأة غير متوقعة تمثّلت في منح السعفة للفيلم التايلندي «العم بونمي الذي يتذكر حيواته السابقة». فحتّى الآن، لدينا عملان مرشّحان بقوّة لـ«السعفة»، وهما «لدينا بابا» لناني موريتي، و«صبي الدراجة» للأخوين داردين.
المعلم الإيطالي الذي سبق أن خطف «السعفة» عن رائعته «غرفة الابن» (2001)، منح إلى النجم الكبير ميشال بيكولي أحد أجمل أدواره منذ رائعة «سأعود إلى البيت» (مانويل دي أوليفرا ــــ 2001)، من خلال شخصية كاردينال ينتخبه أقرانه لمنصب بابا الفاتيكان، لكن الشك والخوف يستبدان به، ما يؤدي به إلى التنازل عن البابوية.
أما التوأمان البلجيكيان، فقد اعتادا خطف الأضواء في كلّ مرّة يأتيان فيها إلى الكروازيت. هما ينتميان إلى النادي الضيق للسينمائيين النادرين الذين سبق أن نالوا «السعفة الذهبية» مرتين. بعد نيل هذه الجائزة عن «روزيتا» (1999) ثم عن «الطفل» (2005)، ها هما يقتربان من سابقة لم تتحقق لأحد، وهي إحراز ثلاث سعفات ذهبية بعدما حظي جديدهما «صبي الدراجة» بحفاوة نقدية كبيرة، لما يتّسم به ــــ على غرار أعمالهما ــــ من مقاربة إنسانية مؤثرة في تصوير عوالم المهمشين والمسحوقين.
هذه المرة اختار الأخوان داردين قصة صبي اسمه سيريل (توماس دوريه) يتخلى عنه والده (جيريمي رينييه) فيعيش في ملجأ أيتام، ويسعى طوال الفيلم إلى استعادة الأب المفقود. ثم تتعلق به سيدة تدعى سامانتا (سيسيل دو فرانس) يلتقيها مصادفةً، وتسهم تدريجاً في إخراجه من براثن البؤس ومخاطر الشارع...