سميرة توفيق، والليدي مادونا، وريمي بندلي، سيفتتحن غداً تظاهرة «أشغال فيديو 2011» في طبعتها الثالثة. الفنانات الثلاث هنّ بطلات شريط روي ديب «تحت قوس قزح» (2011 ـــــ 17 د، 18/ 5 ـــــ س: 8:30)، أحد مشاريع الفيديو الثمانية التي حازت منَحاً إنتاجيّة من «الجمعيّة اللبنانيّة للفنون التشكيليّة ـــــ أشكال ألوان» بدعم من مؤسسة «آندي وارهول للفنون البصرية» (راجع الإطار).
ستحتضن «متروبوليس أمبير صوفيل» عروض الأفلام، على أن تختتم التظاهرة مساء 21 أيار (مايو) بليلة مخصَّصة لأفلام فيديو تعرض للمرة الأولى في لبنان هي «غداً كل شيء سيكون بخير» (2010 ـــــ 10 د، 21/ 5 ـــــ س:8:30) لأكرم زعتري الذي شارك في «مهرجان برلين»، وشريط «اختفاءات سعاد حسني الثلاث» (2011 ـــــ 70 د، 21/ 5 ـــــ س: 9:30) لرانيا اسطفان، إضافةً إلى «والدي لا يزال شيوعياً: أسرار حميمة للجميع» (2011 ـــــ 32 د، 21/ 5 ـــــ س: 8:45) لأحمد غصين.
أفلام «أشغال فيديو 2011» تمارين ذاتية على تطويع إحدى أسهل الأدوات (الفيديو)، لصناعة أعمال صعبة ومركّبة. مقاربات فرديّة للمكان والذاكرة والعلاقات والوقت، وشغل على تحويل هذا إلى لغة شخصيّة، رهانها الأول (والوحيد ربما) أن تقول نفسها... الأرشيف هو الحاضر الأبرز بوصفه مادّة للخلق والإبداع. في «تحت قوس قزح» لروي ديب، تأخذ أشرطة الـVHS دور البطولة المطلقة. يعيد الفنان قراءة مادة أرشيفيّة تعود إلى الثمانينيات: أشرطة لحفلات كيتش وفيلم يقول إن «والده سجّلها عن التلفزيون»، بينها شريط طفولته الأثير «أماني تحت قوس قزح» (1985) لسمير خوري من بطولة ريمي بندلي... من خلال لعبة مونتاج ذكية، تتقاطع المفاهيم في خلطة غريبة: عالم ريمي الطفولي البريء، صراعها مع الحرب والدمار والقتل، ومسرح «استوديو الفنّ». لم يصور ديب أي مشهد، بل قَوْلب المادة المسجّلة، واشتغل على الصورة في لعبة مونتاج، كي يخرج بشريط ليس بريئاً في مقاربته للترفيه. من جهة ثانية، يستند رائد ورانيا رافعي إلى الأرشيف بوصفه نواة للارتجال. في «برولوغ» (2011 ـــــ 49 د، 18/ 5 ـــــ س: 8:50)، يستند الثنائي إلى صور قديمة وقصاصات صحف، لجرّ طلاب لبنانيين إلى عرض أدائي نراه يتشكّل أمامنا: كلّ منهم يتخيّل ما حدث في 19 آذار (مارس) 1974، حين احتلّ طلاب «الجامعة الأميركية في بيروت» الصفوف، احتجاحاً على رفع الأقساط. نتابع نقاشاً سياسياً مرتجلاً عن الحدث الماضي، لكن بمفردات اليوم. لوهلة تختلط الأمور: هل نحن في أحد ميادين التحرير الآن، أم في السبعينيات؟
استخدام آخر للأرشيف تقدّمه سينتيا زافين في «عزيزتي فيكتوريا» (2011 ـــــ 8 د، 19/ 5 ـــــ س: 9:30). يتوزّع الفيلم بين صور التقطتها جدة المخرجة خلال رحلتها إلى أرمينيا عام 1969، وصور للأماكن نفسها عادت زافين لتصورها عام 2005. اللافت أنّ هذه الأفلام لا تتعاطى مع الأرشيف بوصفه مادةً للحنين. هناك حشريّة في النظر إلى الماضي، متخففة من إبهار اليوتوبيا. في «تهويمات بيروت» (2011 ـــــ 10 د، 19/ 5 ـــــ س: 8:30)، يصوِّر الفنان الأميركي المقيم في بيروت كولن ويتيكير شقّة مرممة وأخرى قديمة في البناء نفسه. يضع غشاءً أمام العدسة، وفوقه تتموّج الصور وتتابع بين شقة وأخرى، في خداع بصري يسبب الدوار، على وقع نص للمحللة النفسية البريطانية هانا سيغال، تتلوه النحّاتة سيمون فتّال. وتماماً كزملائه، ينجرف في دمج عوالم متاقضة: القديم والجديد، المتخيّل والواقع، الأمس واليوم... كأنّنا أمام رغبة في جعل الماضي والراهن جسداً واحداً.
تحيلنا أفلام أخرى إلى تيمة ملحّة: انقطاع التواصل. هذا ما نجده في عمل تمارا ستبانيان «19 فبراير» (2011 ـــــ 42 د، 19/ 5 ـــــ س: 8:45). شريط صامت تقريباً، يحكي رحلة رجل وامرأة في قطار داخل أرمينيا. تسلسل المشاهد يمضي في خط تصاعدي لينقل حواريّة مفعمة بالضجر، وسوء الفهم.
ويحكي شريط وجدي اليان «مكان يعاد» (2011 ـــــ 17 د، 20/ 5 ـــــ س:8:30) عن رجل نمطي، يرفض أن يُخرِّب أي عامل خارجي حياته... يتعاطى الشريط مع فكرة الروتين/ النظام القائم بعين باردة. الفرد المأخوذ حدّ التخمة في نمط واحد، سيرفض التغيير في النهاية. طابع الشريط البصري أشبه بالمتاهة، تماماً كذاك الذي يفرض ثقله على «البطل الأخير» (2011 ـــــ 28 د، 20/ 5 ـــــ س: 9:15) لرامي الصباغ. شخصان بملابس رسميّة في بناء فارغ ليلاً، مع حنفيات ماء مفتوحة، وبصمات دماء على الجدار. متاهة هيتشكوكيّة ليس من الضروري محاولة فهمها، بقدر ما هو مطلوب الاستسلام لشغل هذا المؤلّف على لعبة التسلسل الكرونولوجي.
يتحوّل الضياع في شريط «أو دي أل» (2011 ـــــ 21 د) لسيسكا، إلى مفردة بصريّة. يدخل الفنان اللبناني إلى مبنى مؤسسة «كهرباء لبنان»، ويستكشفها بالتفصيل. الصورة أشبه بحلم، أو بعالم يتلاشى.
لا يمكن مقاربة «أشغال فيديو 2011» بوصفها خطابات فنية، بل بوصفها أفعالاً ذاتيّة على تخوم السياسي. فهي مساءلة لموقع الفرد ـــــ الفنان هنا ـــــ في الواقع الشائك المحيط به. رغم تنوّع أدواتها ومفرداتها، تتقاطع هذه الأعمال عند مفاصل حساسة: العلاقة المبهمة مع الماضي، استخدام الأرشيف موضوعاً ومادةً محوريّة تلتحق بالخيال، وانعدام سبل التواصل بين الأفراد في الحاضر. كلّ ذلك وسط طابع عام أشبه بالمتاهة، يفرضه كمٌّ هائل من الضياع وسوء الفهم.