كان | كانت الكروازيت أمس على موعد مع فيلم «وهلأ لوين؟» لنادين لبكي، الذي أعاد إلى السينما العربية حضوراً وتألقاً افتقدتهما في «مهرجان كان». العمل الجديد لصاحبة «سكر بنات» استُقبل بعاصفة من التصفيق خلال عرضه الرسمي ضمن تظاهرة «نظرة ما». وحظي العمل بحفاوة نقدية كبيرة أشادت برسالة الفيلم الإنسانية، وتميّزه على الصعيد الفني، وخصوصاً لجهة الرؤية الإخراجية المحكمة التي حملت بعضاً من بصمات الراحل يوسف شاهين، في طريقة نحت البورتريه الجماعي، واستعارة تقنيات الكوميديا الموسيقية التي ليست غريبةً عن نادين لبكي الآتية من عالم الفيديو كليب.على صعيد المضمون، جاء الفيلم أشبه بنشيد من أجل المحبة والتسامح، حاملاً رسالة قوية في إدانة التعصب والطائفية، لكن بعيداً عن أي خطابية مباشرة، باستثناء مشهد واحد ـــــ كان بالإمكان الاستغناء عنه ـــــ وهو عبارة عن مونولوغ طويل تخاطب فيه نادين لبكي («أمل» في الفيلم) رجال القرية، وتحذّرهم من الاقتتال الطائفي. مع ذلك، نجح الفيلم في القفز برشاقة بين الكوميديا الفاقعة التي ترصد المفارقات الاجتماعية وأسلوب الـburlesque الذي يضع اليد على جراح دامية، لكن في إطار من التراجيكوميديا الخالية من أي منحى ميلودرامي. حتى إن الفيلم يذكّر في أكثر من موقع بسينما إيليا سليمان، وما تتّسم به من الفكاهة الباردة التي تندرج ضمن المضحك/ المبكي.
يصوّر الفيلم قرية جبلية معزولة في شمال لبنان لا يصلها البث الإذاعي ولا التلفزيوني، ويعيش أهلها في هناء وتسامح. هنا، يتجاور المسجد والكنيسة، ويتشابه خطاب الإمام والخوري، ولا يمكن التفريق بين المسيحي والمسلم. فجأة، بدافع الاحتفاء بالألفية الجديدة، يقرر مختار الضيعة تزويدها بصحن لاقط لاستقبال الإذاعة والتلفزيون. وإذا بأحداث الاقتتال الطائفي في بيروت تعصف بأجواء المحبة والتسامح بين سكان القرية، فتتطور الأمور إلى مواجهات تكبر مثل كرة الثلج، وإذا بنساء القرية اللواتي يخشين عودة الحرب الأهلية التي فجعت العديد منهن في أولادهن، يكتشفن أن رجال القرية بدأوا سراً بتخزين السلاح وتجهيزه تحسّباً لنشوب اقتتال طائفي جديد في البلد. تلجأ نساء القرية إلى أساليب شتى لثني رجالهن عن هذا المنزلق الدموي: واحدة تضع دماً زائفاً على شكل دموع تنهمر من عيون تمثال العذراء، وأخريات يتسللن ليلاً لتحطيم الصحن اللاقط، حتى ينقطع الإرسال عن القرية، فيما تتولى أخرى رمي كومة الصحف اليومية في فرن المخبز، حتى لا يقرأ أحد من سكان القرية أخبار المواجهات الطائفية المتجددة. تجرّب نساء القرية مختلف أنواع الحيل لصرف رجالهن عن «نداء الدم». لكنّ فاجعة تضع القرية على حافة الهاوية، حين يُقتل أحد شبابها برصاصة طائشة خلال مواجهة طائفية. ورغم أن الواقعة حدثت بعيداً عن القرية، أثناء تسلل هذا الشاب مع أحد رفاقه سراً إلى بيروت لقضاء سهرة في ملهى، يهدد الخبر ـــــ إذا انتشر ـــــ بمواجهة طائفية دامية، ما يدفع والدة الشاب إلى إخفاء جثته في بئر، ريثما تجد نساء القرية طريقة ما لامتصاص الاحتقان الطائفي. وفي النهاية، تقرّر نساء القرية جميعهن تغيير ديانتهن، بحيث تصبح المسلمة مسيحية والمسيحية مسلمة، وتواجه كل واحدة زوجها وأولادها قائلة: «لقد صرت منـ«هم»». وإذا بالجميع يكتشفون أنّ الآخر (العدو) الذي كانوا يستعدون لمحاربته هو أهلهم وأقرب الناس إليهم.
يختتم الفيلم بجنازة الشاب القتيل التي يشارك فيها جميع سكان القرية، مسلمين ومسحيين. وعندما يصل الموكب الجنائزي إلى المقبرة، يحارون إلى أين يمضون بالنعش: مقبرة مسيحية على اليمين وإسلامية على اليسار، وبينهما طريق مسدود، ما يدفع حملة النعش إلى التساؤل: «وهلأ لوين؟». ومن هنا جاء عنوان الفيلم...